أثناء مشاركتي في المؤتمر الدولي للطب النبوي المبني على الأدلة والبراهين، استوقفني اهتمام العلماء والمؤسسات العلمية بالتفريق بين الطب النبوي (المبني على الأدلة العلمية) وبين الموروث والطب البديل والخرافة التي تشوب بعض الممارسات الشعبية.

المؤتمر، الذي نظمته جامعة الملك عبدالعزيز بجدة ورعته جامعة المستقبل الخاصة في بريدة، أتاح لي فرصة الاطلاع على نقاشات علمية متعمقة تدعو إلى الالتزام بالمنهج العلمي الدقيق في تناول القضايا المتعلقة بالطب النبوي. وعقب المؤتمر، كانت زيارتي لمستشفى الإبل في بريدة بمنطقة القصيم إحدى التجارب التي أثارت إعجابي وألهمتني للكتابة عن هذا الصرح العلمي الفريد، الذي يعد رائعة الجزيرة العربية».

Ad

على مساحة 500 ألف متر مربع وبين كثبان القصيم الساحرة، يقع مستشفى الإبل ومركز الأبحاث المتقدم، الذي يُعد الأكبر من نوعه في العالم. هذا المشروع الرائد يمثل علامة فارقة في تاريخ الطب البيطري، ليس فقط بسبب تقنياته المتطورة ومختبراته الفائقة الدقة، بل لأنه يعكس رؤية المملكة والعلماء الباحثين في التمسك بالعقيدة الإسلامية وتنقيتها من العوالق الدخيلة باستخدام العلم الحديث والأبحاث المحكمة.

المستشفى، الذي يخدم أكثر من 55 ألف رأس من الإبل، يقدم خدمات متميزة لا تتوافر حتى في العديد من المستشفيات البشرية حول العالم.

من أبرز أقسام المستشفى قسم الجراحة، الذي يقدم مجموعة متكاملة من الخدمات الطبية الدقيقة، والتي تشمل تثبيت الكسور في القوائم والفك، واستئصال الأورام السرطانية والخراجات، وعلاج السُّرر باستخدام تقنية الليزر الحديثة، واستخراج الأجسام الغريبة من الكرش، ومعالجة انسداد الأمعاء. كما يتميز القسم بتقديم علاج العقم في الفحول والنوق باستخدام تقنيات متقدمة وأطفال الأنابيب تضمن تحسين الإنتاجية وصحة الإبل.

أما قسم الأشعة التشخيصية، فهو مجهز بأحدث الأجهزة المتطورة، بما في ذلك الرنين المغناطيسي، والأشعة المقطعية، والأشعة السينية، والمناظير، والسونار، والأشعة الحرارية. هذا القسم يُعزز دقة التشخيص وسرعة العلاج، مما يجعله نموذجاً يُحتذى به في مجال الطب البيطري الحديث. كذلك، يوفر المستشفى رعاية مكثفة بعد العمليات الجراحية، حيث يتم تنويم الإبل في وحدات مجهزة بأحدث التقنيات لتقديم بروتوكولات متكاملة تشمل تحاليل الدم والهرمونات والرعاية المركزة.

ويضم المستشفى أيضاً قسماً متخصصاً يُعرف بـ «كشف العبث»، حيث يتم استخدام تقنيات متقدمة لكشف أي تلاعب أو غش في الإبل، مع إجراء فحوصات دقيقة باستخدام الأشعة السينية والتحاليل الميدانية. أما قسم الباطنة والأمراض المعدية فيقدم حلولاً متطورة لتشخيص وعلاج مجموعة واسعة من الأمراض، مثل نقص التغذية، والتسمم، وأمراض الجهاز الهضمي، والأمراض الباطنية، بالإضافة إلى مكافحة الأمراض المعدية والوبائية. كما يبرز قسم التحصينات والتطعيمات كأحد أهم الأقسام الوقائية، حيث يتم تقديم لقاحات ضد التسمم المعوي والتسمم الدموي، والجدري، والجرب، ومختلف الأمراض الفيروسية والبكتيرية.

نظراً لصعوبة نقل الإبل إلى المستشفى، خصص المستشفى أسطولاً متكاملاً من السيارات المجهزة بأحدث التقنيات لتقديم الرعاية البيطرية في الميدان. وتشمل الزيارات الحقلية خدمات مثل الكشف البيطري، وتشخيص الحالات، وتثبيت الكسور، والكشف التناسلي باستخدام السونار، وفحص الخصوبة، وتقديم الأدوية والتطعيمات، بالإضافة إلى إجراء الجراحات الميدانية البسيطة.

في قلب المستشفى، يقع مركز الأبحاث المتقدم، الذي يُمثل محطة ريادية في مجال الدراسات البيطرية. ويعتمد المركز على تقنيات متطورة مثل تكنولوجيا النانو لتحسين طرق العلاج والتشخيص. كما يضم مختبرات علم الجينات، التي تُجرى فيها أبحاث دقيقة لتحسين السلالات والحفاظ على صحة الإبل من الأمراض الوراثية. كذلك، هناك مختبرات أطفال الأنابيب، التي تُعد من الأحدث عالمياً، وتهدف إلى تحسين الإنتاجية وعلاج مشاكل الخصوبة، بالإضافة إلى قسم متخصص في رعاية الأطفال الخدج من الإبل، مما يعكس مستوى الدقة والابتكار في المستشفى.

مستشفى الإبل في القصيم ليس مجرد منشأة بيطرية، بل هو صرح علمي يفخر به العالم الإسلامي. فهو يجسد الرؤية السعودية في الجمع بين العلم والدين لخدمة الإنسانية، مع الحرص على تطبيق أحدث المعايير العلمية ونبذ الخرافات والموروث غير المبني على الدليل العلمي.

وإلى جانب الخدمات الطبية، يُساهم المستشفى في إنتاج منتجات مبتكرة مثل الألبان، والشوكولاته، والآيس كريم، مما يُبرز التكامل بين الرعاية البيطرية والابتكار التجاري.

وكانت زيارتي لمستشفى الإبل تجربة ملهمة تبرز الجهود التي تبذلها المملكة لتقديم نموذج عالمي في توثيق الموروث وتحقيق الإعجاز العلمي في القرآن والأحاديث النبوية. هذا المشروع الرائد يُعزز مكانة السعودية ويؤكد أن الاستثمار في الأبحاث العلمية هو مفتاح التقدم. أما عن الطب النبوي ورؤيته في عصر الطب الحديث الذي أنتمي إليه وأُعالج به مرضاي، وهل هناك ما يمكن تسميته بالطب النبوي أو الصيني أو اليوناني أو غيره، فإن للحديث بقية سأشرحها لاحقاً في مقال منفصل.

وختاماً، أتمنى أن نولي في الكويت اهتماماً أكبر بالأبحاث العلمية وزيادة الإنفاق عليها، فهي السبيل الأهم لتحقيق الريادة والازدهار.

* وزير الصحة الأسبق