في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، كان الخلاف محتدماً بين التوجهات الإسلامية والليبرالية، ونجح الإسلاميون في إبعاد جميع المرشحين الذين ينتمون إلى تجمّع الطليعة والتجمع الوطني في انتخابات 1981، لكن مجلس 1985، وكذلك مجلس 1992، شهدا نجاح رموز من جميع التوجهات، ثم اجتمعت مواقفهم في المجلس على بعض القضايا، مثل قوانين استقلال القضاء ومحاكمة الوزراء والإسكان والتحقيق في الغزو وقانون حماية الأموال العامة، وذلك رغم وجود قضايا اختلاف أخرى بينهم، واستمر وجود هذه الرموز خلال المجالس اللاحقة، واستمر اتفاقهم على بعض قضايا الإصلاحات القانونية وملاحقة الفساد، كما استمر خلافهم حول قضايا أخرى، مثل الاختلاط والمرأة والحريات المطلقة.
وفي الجانب الآخر، كان الإسلاميون وكثير من المستقلين يعملون في توافق بمعظم القضايا، مما أدى إلى إقرار كثير من القضايا الشرعية المهمة وإنكار بعض المظاهر التي لا تتفق مع الشريعة.
وفي الآونة الأخيرة، لوحظ ظهور انتقاد جديد للإسلاميين، مثل الهجوم على جميع التجمعات الإسلامية السياسية، ورفض الترشح لمجلس الأمة، والمسارعة إلى نشر أخطاء الإسلاميين والتشهير بهم، وعدم ذكر إنجازاتهم، ووضع مسميات ونعوت غريبة لبعضهم، والدعوة إلى تفسيقهم وتبديعهم، وهذه الاتهامات ليست كسابق الانتقادات التي كانت تُتبادل بين التجمعات الإسلامية المعروفة، وقد تكون غير صحيحة، أو أنها نتيجة لضعف التواصل بينهم أو اجتهادات أو أخطاء وقع فيها بعض الإسلاميين، وهي دون الكفر أو البدع الكبرى، لذلك فإن تصعيدها والاشتغال بها يضعفان جميع القوى والتوجهات الإسلامية، ولا يحققان أي مكاسب شرعية، خصوصاً في ظل الهجوم العالمي على الإسلام والشريعة وتقسيم بلاد المسلمين وتدنيس مقدساتهم.
وإذا كانت القوى المختلفة في المجلس اتفقت على بعض القضايا العامة التي تحقق مصلحة البلاد والمال العام والعدالة، فإن اتفاق الإسلاميين على الفهم السليم للاختلاف يحقق مصلحة شرعية أكبر، فقد قال ابن تيمية في «الفتاوى»: «إذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر، وفجور وطاعة ومعصية، وسنّة وبدعة، استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والمهانة، ويجتمع له من هذا وهذا».
وبيّن ابن تيمية أن «هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنّة والجماعة، وخالفهم الخوارج والمعتزلة».
كما بيّن أن من القواعد العظيمة التي هي جماع الدين تأليف القلوب واجتماع الكلمة، وإصلاح ذات البين، وأمثال ذلك من النصوص التي تأمر بالجماعة والائتلاف وتنهى عن الفرقة والاختلاف.
لذلك، فقد دعا بنفسه الصوفية إلى التعاون معه في القتال ضد المغول، وقبله قاتل المسلمون على اختلاف مذاهبهم الفرنجة مع صلاح الدين حتى حرروا بيت المقدس.
وبالطبع، فإنّ هذا التوجه لا ينافي الحوار العلمي في المسائل الشرعية والنصيحة الطيبة الخالصة بينهم في حال الخلاف.