تهنئة لغزة ولروح السنوار:

صَدَفتُم عَنِ الأَهواءِ وَالحُرُّ يَصدِفُ

Ad

وَأَنصَفتُم مِن نَفسي وَذو اللُبِّ يُنصِفُ

وحاربتم وَفي نَفسي مِنَ اليَأسِ صارِمٌ

وأوقفتم الحرب وفي الصدر من الحلم مصحف

فَأَنتَم لَها إِن قامَ في الشَرقِ مُرجِفٌ

وَأَنتم لَها إِن قامَ في الغَربِ مُرجِفُ

رَأَوا في قُبورِ الشهادة حَياتَهُم

فَقاموا إِلى تِلكَ القُبورِ وَطَوَّفوا

وَباتوا عَلَيها جاثِمينَ كَأَنَّهُم

عَلى القدس والأقصى عُكَّفُ

ولم ينم السنوار في الفنادق منعماً

بل راح للورى بالسلاح يجني ويقطف

كَأَنَّ يَراعي في مَديحِكم ساجِدٌ

مَدامِعُهُ مِن خَشيَةِ اللَهِ تَذرِفُ

بهذه الأبيات من شعر الكنانة التي قرضها شاعر النيل حافظ ابراهيم، معدلة على مقتضى الحال، ولو كان حيا لقرض مثلها وأقوى منها، في تهنئة غزة، الشعب الأبي الصامد، وفي تهنئة أبطال الأقصى، وأرواح الشهداء، وعلى رأسهم السنوار.

موتوا بغيظكم

وللمرجفين من أبناء وطننا العربي أبعث هذه الأبيات ليكفوا عن المزايدة على المقاومة الفلسطينية، أو الشماتة فيها بعد اتفاقية وقف إطلاق النار، التي وقعتها المقاومة لحرمانها من شرف ما حققته من نصر مؤزر، ومن صمود بطولي، أمام الترسانة العسكرية العالمية وأقول لهم موتوا بغيظكم وخزيكم، لعلهم يفيقون كما أفاق أهل الكهف ولكن بعد ثلاثمئة عام فلم تكن إسرائيل في حرب غزة إلا قطعة من قطع الشطرنج الاستعماري العالمي تقوم بتنفيذ الأعمال القذرة لهذا الاستعمار، وهو ما اعترف به وزير الاستراتيجية الإسرائيلية، في حوار له مع جريدة «وول ستريت جورنال» (لطفا يرجى الرجوع إلى مقالنا على هذه الصفحة تحت عنوان «وزير إسرائيلي يعترف بأن إسرائيل تقوم بالأعمال القذرة لأميركا»).

حروب التحرير وحساباتها وفي سياق حسابات الأرباح والخسائر التي يبني عليها المرجفون مزايداتهم على المقاومة الفلسطينية بأنها لم تحقق من طوفان السابع من أكتوبر 2023 سوى الخراب والدمار والجرحى والشهداء، هذه الحسابات لا تعرفها حروب التحرير الوطنية من الاحتلال الجاثم على أراضيها ومقاييس هذه الحروب، ذلك لأن الحرية وقيمتها وقداستها، لا يعرفها هؤلاء المرجفون، بل تعرفها الشعوب المناضلة التي تحرر أرضها، مثلما عرفتها فيتنام والجزائر بلد المليون شهيد، وغيرهما من شعوب ناضلت لتحرير بلادها. ويكفي فخرا وزهوا وانتصارا صمود غزة خمسة عشر شهرا، قدمت ما يقرب من خمسين ألف شهيد وأضعاف هذا العدد من الجرحى والمفقودين، وكفاح ونضال شباب المقاومة الفلسطينية، التي حققت ما لم تحققه الحروب العربية الإسرائيلية الـ4 (48) و(56) و(67) و(1973) من:

1- تعاطف شعبي عالمي، كشفت عنه المظاهرات التي جابت مدن العالم وشوارعه، تهتف بكافة اللغات بالحرية لفلسطين.

2- التعاطف الكبير للأمم المتحدة، وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها لأول مرة بالاعتراف بفلسطين دولة عضوا بالأمم المتحدة بما يقارب الإجماع.

3- تنديد الأمانة العامة للأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية، بالحرب الإسرائيلية الغاشمة على غزة.

4- صدور حكم محكمة العدل الدولية بإدانة إسرائيل بالإبادة الجماعية لشعب فلسطين في غزة.

5- صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية بضبط نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل وكذلك وزير خارجيتها وتقديمهما إلى المحكمة لإدانتهما بارتكابهما جرائم حرب.

هذه الخماسية من المكاسب، لم تحققها أي حرب من هذه الحروب، وكل ما حققته أوسلو وما قبلها وما بعدها من مفاوضات تخرج من مأزق مظلم إلى مأزق أشد ظلاما، فكان طوفان الأقصى الذي أخرج القضية الفلسطينية من الفنادق إلى الخنادق.

هزيمتان كبيرتان لإسرائيل

والواقع أن الهزيمة الكبرى لإسرائيل، في حرب غزة كانت هزيمتين:

(الهزيمة الأولى): سقوط أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وقد سبق أن سقطت هذه الأسطورة في حرب 6 أكتوبر 1973، إلا أن سقوطها في السابع من أكتوبر عام 2023 كان أكثر مرارة وفداحة ودويا لإسرائيل من سقوط 1973، لسببين:

أولهما: أن حرب 1973 كانت بين جيشين، الجيش المصري وتعداد مصر في هذا الوقت كان يزيد على 35 مليون مصري، وكان التدريب لهذه الحرب على أرض مصر الواسعة حتى أسوان، وليس في خنادق تحت الأرض ليصعد منها عشرات من أبطال الأقصى ليهزموا فرقة غلاف غزة في بضع ساعات في السابع من أكتوبر سنة 2023، فحطموا هيبة الاستعمار العالمي الإمبريالي.

وثانيهما: أن مصر خاضت حرب 1973، في وسط دعم عربي شامل، استخدم فيه سلاح البترول، وتخوض غزة حربها وسط صمت واستسلام عربي وتطبيع البعض مع إسرائيل.

(الهزيمة الثانية): سقوط أسطورة الأمن الإسرائيلي وحق إسرائيل، الدولة الضعيفة الصغيرة، والديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط في الدفاع عن نفسها أمام جحافل الشر من جيرانها الذين يضمرون لها العداء والفناء، وقد شاهد العالم أجمع على التلفاز، وفي وسائل التواصل الاجتماعي بشاعة إسرائيل في حرب غزة وهمجيتها وقتلها الأطفال والنساء والشيوخ وغيرهم من المدنيين. وهو ما اعترف به قادة إسرائيل، أنفسهم بهاتين الهزيمتين، وأن إسرائيل، لم تستطع أن تحقق أي نصر في هذه الحرب، كما اعترف بعض كتابها ومثقفيها بالعار الذي لحق بإسرائيل في هاتين الهزيمتين، وعلى رأسهم الكاتب الإسرائيلي الحر ليفي جدعون.