الرئيس دونالد ترامب شخصية مثيرة للجدل ومميزة في عالم السياسة، تجتمع فيها المتناقضات، فمن جانب تتميز شخصيته بالثقة والقيادة والوضوح والحزم، ومن جانب آخر العناد وحب الذات والتحدي والصدامية والتكهن، كما أن لديه ميولاً استفزازية يستخدمها مع الأصدقاء والأعداء على حدّ سواء، لكنه يظل شخصية براغماتية من الطراز الأول.
هذه الصفات والسمات الشخصية التي يتمتع بها الرئيس ترامب تجعل من السهل توقع ما سيقوم به خلال فترة رئاسته المقبلة، حيث من المرجح أن يستمر ترامب في تقديم دعم قوي وغير محدود لإسرائيل، وقد يدفع نحو توقيع المزيد من اتفاقيات سلام جديدة مع الدول العربية دون أن يجبر إسرائيل على تقديم أي تنازلات مرضية، وعلى الأرجح سيواصل نهجه السابق في التعامل مع القضية الفلسطينية، التي يميل فيها بشكل كبير نحو إسرائيل، مع محاولة إعادة إحياء «صفقة القرن» أو طرح خطة شبيهة لها.
شماعة شيطنة إيران ستعود إلى الواجهة مرة أخرى وبشكل أوسع وأكبر، حيث ستكون بؤرة اهتمامه، وقد يسعى إلى تكثيف الضغط الاقتصادي والدبلوماسي وربما التحرك عسكريًا بشكل محدود إذا رآها تشكل أي تهديد على إسرائيل والمصالح الأميركية، وقد يسعى إلى المزيد من التعاون مع دول الخليج لاحتواء وتشتيت جهود إيران الدبلوماسية وذلك في أحسن الظروف.
على الجانب العسكري فإن ترامب سيُعيد التأكيد على سياسة تقليل التورط الأميركي المباشر في الحروب، مع دفع الحلفاء على تحمل المزيد من الأعباء الأمنية والمالية من خلال تعزيز الشراكات مع الدول الموالية للسياسات الأميركية، وبما أن ترامب من الشخصيات البراغماتية التي تسعى نحو تحقيق بعض الانتصارات فإنه سيواصل سياساته الحازمة ضد الجماعات الإرهابية بالاعتماد بشكل أكبر على الضربات الجوية والدعم غير المباشر للدول التي توجد فيها تلك التنظيمات، كما سيسعى إلى تهميش النفوذ الصيني والروسي في الشرق الأوسط من خلال تعزيز التحالفات الأميركية التقليدية وزيادة الاستثمارات الاقتصادية في المنطقة.
من المتوقع لإدارة الرئيس الأميركي أن تحقق بعض النجاحات من خلال توسيع شبكة التحالفات الأميركية في الشرق الأوسط وتحقيق مصالح اقتصادية وأمنية، وقد ينجح في احتواء إيران بشكل أكبر وتقليل نفوذها الإقليمي، وفيما يخص القضية الفلسطينية من المتوقع بقاء الحال على ما هو عليه دون تحقيق حلول عادلة أو مستدامة ترضي الشعب الفلسطيني.
من الواضح أيضاً أن الرئيس ترامب يجيد فن التعامل مع معظم التحديات الخارجية، ولن يجد أي صعوبة في تسويق أفكاره بفضل سيطرة الحزب الجمهوري على مجلسي الشيوخ والنواب، إلا أنه على مستوى الداخل الأميركي سيواجه صعوبات كبيرة في إقرار بعض الوعود التي أطلقها خلال حملته الانتخابية، خاصًة محاربته لمجتمع المثلية المدعوم بشكل واسع من الديموقراطيين والجمهوريين، وإعلانه ضم كندا، ناهيك عن طرحه العنصري تجاه المهاجرين.
تداعيات تلك المطالبات الداخلية قد تقضي على حياة ترامب السياسية، وقد تصل إلى المطالبة بخلعه من السلطة، لكن بالرغم من النرجسية والفوقية التي يتعامل بها ترامب فإنه في الوقت ذاته يتصف بالبراغماتية والقدرة على الانحناء أمام العواصف متى ما دعت الحاجة.
في النهاية نجاح ترامب بنظر الأميركيين يعتمد على قدرته على تحقيق المصالح الاقتصادية للولايات المتحدة، أما نحن كعرب فحتماً سنخرج من حساباته إذا ما اصطدمت مع مصالح إسرائيل.
ودمتم سالمين.