بعد 470 يوماً من العدوان الغاشم، الذي خلف 46899 شهيداً و110642مصاباً، وشرد نحو مليون ونصف المليون فلسطيني، وتسبب في دمار يفوق وصفه، يدخل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ اليوم عند الساعة 08:30 بالتوقيت المحلي (الساعة 06:30 ت.غ)، إيذاناً ببدء مرحلة أولى تمتد ستة أسابيع، تشمل إفراج حركة حماس عن 33 رهينة من بين 98 محتجزاً لديها مقابل إطلاق إسرائيل 737 أسيراً، منهم نحو 300 محكوم بالمؤبد، و1167 اعتقلتهم خلال العمليات البرية بالقطاع.

وأعلن ماجد الأنصاري، الناطق باسم وزارة خارجية قطر، أحد الوسطاء الرئيسيين في الصفقة، أن وقف إطلاق النار يبدأ تمام الثامنة والنصف من صباح الأحد 19 يناير (اليوم) بالتوقيت المحلي في غزة.

Ad

وفي واشنطن، قال كبير مفاوضي البيت الأبيض بريت ماكغورك: «حددنا كل التفاصيل في هذا الاتفاق، وواثقون تماماً من أنه جاهز للتنفيذ يوم الأحد»، متوقعاً إطلاق سراح 3 من الرهائن الإناث، وإرسالهن إلى إسرائيل بعد ظهر اليوم بمساعدة الصليب الأحمر.

وبعد اللغط والمناورات الإسرائيلية الخميس، جرت مفاوضات في القاهرة حسب مصادر ادت إلى ردم الثغرات التي لا تزال قائمة. وفي نهاية اجتماع استمر أكثر من ست ساعات، أقر مجلس الوزراء الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو، رغم معارضة وزراء اليمين المتطرف، الاتفاق المؤلف من ثلاث مراحل، والذي سبق لحركة حماس أن أعلنت موافقتها على شروطه والتزمت بتنفيذه.

وفي الساعات الأولى من صباح أمس، قال مكتب نتنياهو، في بيان مقتضب، «وافقت الحكومة بحضور كامل هيئتها على الإطار الخاص بإعادة الرهائن، وسيدخل حيز التنفيذ يوم الأحد»، موضحاً أنه «بعد مراجعة كل الجوانب السياسية والأمنية والإنسانية، وإدراك أن الاتفاق المقترح يدعم تحقيق أهداف الحرب، أوصت الحكومة الأمنية (الكابنيت) مجلس الوزراء بالموافقة» على الصفقة.

نتنياهو باق وفي ظل المعارضة القوية للمتشددين في «الكابنيت»، صوّت 24 وزيراً في حكومة نتنياهو لمصلحة الاتفاق، وعارضه ثمانية، اعتبروا أنه يمثل استسلاماً.

وهدد وزير الأمن الوطني إيتمار بن غفير بالاستقالة إذا تمت الموافقة على الاتفاق، وحث الوزراء الآخرين على التصويت ضده. ومع ذلك، قال إنه لن يسقط الحكومة.

كما هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، المتطرف أيضاً، بالانسحاب من الحكومة إذا لم تعد إلى الحرب لهزيمة «حماس» بعد المرحلة الأولى.

أول تبادل

ونشرت وزارة العدل الإسرائيلية قائمة بأسماء 95 أسيراً فلسطينياً لإطلاق سراحهم في الدفعة الأولى اليوم، بينهم زكريا الزبيدي القيادي السابق في كتائب شهداء الأقصى، الجناح المسلح لحركة فتح، مقابل 3 إسرائيليات، موضحة أن العملية لن تتم قبل الرابعة عصراً، وأنها اتخذت إجراءات «لمنع أي مظاهر للاحتفال علناً».

وأكد جيش الاحتلال أنه يستعد لاستقبال الرهائن «وفقا للاتفاقات المحددة»، وأنه «يعمل على توفير الدعم الجسدي والنفسي المناسب، مع الاهتمام الدقيق بكل التفاصيل».

وبحسب ماكغورك، فإنه بعد إطلاق سراح الرهائن اليوم، ينص الاتفاق على إطلاق سراح 4 رهائن أخريات بعد سبعة أيام، ثم إطلاق سراح 3 رهائن كل سبعة أيام بعد ذلك.

طوفان الأقصى

واعتبرت «حماس»، في بيان، أن «الاحتلال المجرم فشل في تحقيق أهدافه العدوانية، ولم يفلح إلا في ارتكاب جرائم حرب يندى لها جبين الإنسانية»، مضيفة أنه «يتعمد ارتكاب هذه المجازر في سعيه إلى إفشال الاتفاق ووضع الوسطاء أمام مسؤولياتهم بالضغط على مجرم الحرب نتنياهو وحكومته المتطرفة الفاشية لوقف هذه المجازر».

وأكدت الحركة أن عملية «طوفان الأقصى حطمت غطرسة العدو، وشكلت محطة بارزة في تلاحم الشعب الفلسطيني مع مقاومته، وقربته خطوة أخرى نحو زوال الاحتلال والتحرير والعودة»، وأشارت إلى أن «المقاومة أرغمت الاحتلال على وقف عدوانه رغم محاولات نتنياهو إطالة أمده وارتكاب المزيد من المجازر».

مراحل الاتفاق

وأكد الرئيس الأميركي جو بايدن أن الاتفاق، الذي أشاع الفرح بين سكان غزة، الذين يعانون ظروفا شديدة القسوة أوصلتهم إلى حافة الجوع، ينص في مرحلته الأولى على «وقف إطلاق نار شامل»، والإفراج عن 33 إسرائيلياً ومئات الفلسطينيين، وانسحاب إسرائيل من المناطق المأهولة وزيادة في المساعدات الإنسانية.

وأوضح بايدن أن المرحلة الثانية ستسمح بالإفراج عن بقية الرهائن، أما المرحلة الثالثة الأخيرة فستُكرَس لإعادة بناء غزة وإعادة رفات الرهائن الذين قضوا خلال احتجازهم.

وخلال المرحلة الأولى سيجري التفاوض على ترتيبات المرحلة الثانية لوضع «حد نهائي للحرب»، بحسب رئيس الوزراء القطري محمد بن عبدالرحمن، ويتخوف مراقبون من أن تفشل إسرائيل المرحلة الثانية أو الثالثة بعد أن تحرر بعض الرهائن، الأمر الذي يضع التزامها تحت الاختبار خصوصا في ظل المعارضة السياسية القوية للاتفاق في أوساط اليمين الحاكم.

اجتماع القاهرة وخلال محادثات، اتفق ممثلون عن مصر وقطر والولايات المتحدة وإسرائيل أمس الأول على تشكيل غرفة عمليات مشتركة في القاهرة «لضمان التنسيق الفعال ومتابعة الالتزام ببنود الاتفاق»، وفق قناة «القاهرة الاخبارية» القريبة من السلطات.

وبينما لا يتطرق الاتفاق إلى المستقبل السياسي للقطاع، الذي سيطرت «حماس» عليه عام 2007، أكد الرئيس محمود عباس، في أول تصريح له بعد إعلان الصفقة، أن السلطة الفلسطينية مستعدة «لتولي مسؤوليتها كاملة» في غزة.

ولاحقاً، نقلت «القناة 12» العبرية عن مصدر مصري رفيع المستوى أن «إسرائيل غيرت موقفها خلال المحادثات التي جرت في القاهرة على مدى اليومين الماضيين»، وأنها «وافقت على أن يرتدي موظفو السلطة الفلسطينية، الذين سوف يتمركزون على المعابر إلى قطاع غزة، الزي الرسمي» للسلطة الفلسطينية.

وقال المصدر الإسرائيلي: «ستُوضَع لافتات تمثل السلطة الفلسطينية، لتسليط الضوء على المسؤولية التي سيقومون بها بشأن حركة المرور على المعابر، إلى جانب فريق المراقبين الأوروبيين الذين سيعودون إلى المعابر وفقًا لاتفاقية 2005 بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية - أي قبل عامين من استيلاء حماس على السلطة في غزة».

حماس تنتشر

في موازاة ذلك، أعلنت وزارة الداخلية، التي تديرها «حماس»، أن أجهزتها الأمنية ستبدأ الانتشار في محافظات غزة، للقيام بالواجب المقدس في خدمة الشعب، فور دخول اتفاق وقف حرب الإبادة حيز التنفيذ.

ودعت الوزارة سكان القطاع إلى المحافظة على «الممتلكات العامة والخاصة، والابتعاد عن أية تصرفات قد تشكل خطراً على حياتهم، والتعاون مع ضباط وعناصر الأجهزة الشرطية والأمنية والخدماتية حرصا على أمنهم وسلامتهم»، وحثت أهالي غزة على الالتزام بكل التوجيهات والتعليمات التي ستصدر عن الجهات المختصة في أجهزة الوزارة خلال الأيام القادمة.

مصاعب

وفيما توقعت وكالة الأونروا وضعاً لوجستياً في منتهى الصعوبة خلال عودة مئات الآلاف إلى مدينة غزة، أعطت السلطات المصرية الضوء الأخضر لفتح معبر رفح اليوم، لإدخال 600 شاحنة مساعدات طبية وغذائية وخيام ومستشفيات ميدانية ووفود.

وفي وقت سابق، حذرت «الأونروا» من أن «الذخائر غير المنفجرة في غزة تشكل خطراً كبيراً على الأطفال والمدنيين»، لافتة إلى أنها تعمل على تجهيز المخازن في غزة، ولديها شبكات توزيع وموظفون على الأرض.

ورغم مطالبة «حماس» بتهدئة يومين لتأمين الإفراج عن المحتجزين، واصل جيش الاحتلال ارتكاب المجازر، وأقر بتنفيذ غارات على 50 «هدفاً» في أنحاء غزة أمس الأول.

وقالت وزارة الصحة في غزة: «ارتكب الاحتلال ثلاث مجازر ضد العائلات، وصل منها إلى المستشفيات 23 شهيداً و83 مصاباً خلال الـ24 ساعة الماضية»، مؤكدة أنه منذ إعلان الاتفاق قتل 122 شخصاً وأصيب أكثر من 270.

وأصيب إسرائيلي بجروح خطرة في عملية طعن حدثت في تل أبيب وأسفرت عن مقتل منفذها.