يعمد المختصون في علوم البيئة في الحديث عادة عما يتصل بالتلوث في مسائل متعلقة بتلوث الهواء بالدرجة الأولى دون غيره، ولعل هذا الأمر أصبح ملحوظا بشكل كبير في الآونة الأخيرة، ونحن بالطبع لا نقلل منه، ونعلم أنه متعلق بأمور إعلامية وصناعية وظواهر طبيعية مهمة وجب التوقف عندها، ولكن النظم الأيكولوجية، في حقيقة الأمر، لا تنفك عن ترابط بعضها ببعض شاملة مصاب البيئة كافة من هواء وتربة ومياه وما بينها من تداخل إحيائي ثري، ليكون أقصى طموح للإنسان أن يعيش باستدامة مع هذا النظام البيئي المعقد، ولعل من أهم سبل التغلب على التلوث الذي يشكل هاجساً لدى دول العالم أجمع يكمن في استخدام الكائنات الحية والحشرات على وجه الخصوص في أعمال بيئية مستدامة.
وقد سبق لنا الحديث عن «ذباب الجندي الأسود» (BSF) كمثال مهم في الاستفادة القصوى من فاقد ومهدر الأطعمة والنفايات العضوية، كما تطرقنا سابقا لآلية تشجيع جمهورية الصين الشعبية لهذا الأمر، وكيف أنها بدأت بحثّ الناس على استخدام ذباب الجندي الأسود في استخلاص الوقود والتخلص من بقايا الأطعمة بهذه الطريقة.
يبدو أن قاعدتي الجماهيرية وقرائي في الخليج العربي أكبر بكثير مما تصورته شخصيا، أقول هذا لأني بحثت العام الماضي عمن سبق أن تطرق لهذا الموضوع قبلي لأكتشف أنني كنت الأول والوحيد فيه، على الأقل على مستوى الكتابة المقالية، كما أنني انتبهت موخراً بأن هناك شركة حديثة العهد (خليجية) بدأت بالعمل على استزراع تلك اليرقات الآن وتسويقها على هذا الأساس ولتلك الغاية كذلك، ولذلك سأسمح لنفسي ومن بعد انتشار ذاك المقال السابق لي في جريدة «الجريدة» عن الموضوع نفسه بالمطالبة بحصة من الأرباح المستقبلية لتلك الشركات، ولو كان هذا الأمر في مخيلتي فقط!! عموما وبعيداً عن التندر والفكاهة، فالحقيقة أن استخدام الحشرات ما زال طاغيا على الأعمال الابتكارية في محاربة تلوث التربة وذلك على مستوى العالم أجمع.
هناك العديد من الدول التي تعاني مشاكل متعلقة بتلوث التربة، فعلى سبيل المثال نجد أن الصين قد أعلنت أن ما يفوق 16في المئةمن مساحة أراضيها ملوثة (كتربة)، وهناك العديد من الدراسات على مستوى منطقتنا العربية تنص على ذلك أيضا، ولعل الأمر الابتكاري الآن الذي بدأ يشكل «ترندا» عالميا وهو أمر أيضا متعلق بالصين ألا وهو موضوع استخدام ودراسة الديدان، وكما كانت الديدان الصينية تتحكم بالاقتصاد العالمي ذات يوم في الأزمنة الغابرة عن طريق دود القز، أصبحت الأبحاث اليوم هناك لدى بلاد التنين تتمحور حول ديدان الأرض واستخدامها في محاربة تلوث التربة، يتم استخدام ديدان الأرض في التعرف وتقليل ملوثات جمة سواء كانت من المعادن والملوثات من خلال إجراء دراسات مستفيضة عن البكتريا الموجودة معها تحديدا، ولعل هذا أمر مهم في إيجاد معايير ومواصفات محددة للتربة وما يتعلق بالبيئة لا سيما في الدول التي تفتقر لمثل هذا الأمر.
الاهتمام في عالمنا العربي بعلوم البيئة والحشرات ما زال منحصرا في الأوساط الأكاديمية في أحسن حال، دون الدخول في مجالات ابتكارية من شأنها رفع الوعي البيئي والعمل على مردود اقتصادي مستدام آخر مزاياه وليس أقلها القضاء على ظاهرة التلوث بسبب التدخل الآدمي على النظام البيئي الموزون.
على الهامش:
من تسارع وتيرة الأخبار المحلية والعالمية، يبدو أن الناس نسوا (فلسطين) قضيتهم المركزية، وهي ذاك الجرح الدامي لدى كل إنسان عربي، هل تعلم عزيزي القارئ أن عدد الشهداء قد وصل إلى 46 ألفاً منذ بداية الطوفان؟! تفكّر ولا تجعل بوصلتك غير ذاك الأمر.