يواصل الباحث «حمد الحمد» الحديث عن «الفرق الشعبية البرية» بتناول «فرقة الرندي الشعبية»، ويقول إن لها تاريخاً مجيداً، وإنها أقدم الفرق الشعبية في الكويت بإجماع أغلب رؤساء الفرق، وأعرقها في تقديم العرضة الحربية، ولهذا تعتبر الفرقة الرسمية للدولة في فترة من الفترات، ويقول «الحمد» إن أول من أنشأ فرقة الرندي هو «سليمان المساعيد الرندي» حيث كان في ذلك الوقت المرافق الخاص للشيخ مبارك الصباح، أما رئيس الفرقة في بداية السبعينيات فهو «عبدالعزيز سليمان المساعيد» الملقب بالرندي وكان عمره 75 سنة عند إجراء اللقاء الصحافي عام 1973.

ومما جاء في «مجلة عالم الفن» نفسها أن الفرقة كانت في بدايتها «تضم بعض الأعضاء من أسرة الرندي وأصدقائهم، وكذلك الكثير من مُحبّي الفن الشعبي، وقد بلغ عدد أعضائها حوالي 150 عضواً برئاسة سليمان الرندي، وكانت الفرقة من بدايتها هي الوحيدة المعتمدة لدى الحكام، إذْ كانوا يطلبونها في كل مناسبة ويسلمونها «علم الإمارة» وهو «البيرق» حيث لم يكن في ذلك الوقت وجود أعلام فوق الدواوين الحكومية، التي كانت بمنزلة وزارات، وكان البيرق (وهي كلمة تركية تعني العلم) يرفع في المناسبات في ساحة الصفاة، حيث يجتمع الناس في الأسواق عند أيّة مُناسبة، إذ كانت معروفة مثل الأعياد، وفي بداية العرضة، حيث يدق الطبل ويشيل «الشيّال» وهو الشاعر، أو من يحفظ الأشعار، عندها يصطف المُتفرجون في شبه حلقة كبيرة، وتتجمع النساء في مكان خاص ويُطلقن الزغاريد ويهتفن للاعبي السيوف، ويعلو صوت الجميع بالفرحة عند قدوم الشيوخ والأمراء والحكّام، وكان أمير البلاد يحضر هذه الاحتفالات».

Ad

وكان للعرضة الحربية جمهور واسع، وكانت مرغوبة من الجميع حتى أن «السبحة»- وهي صفوف المشاركين- كانت تصل في بعض الأحيان إلى 200 لاعب بالسيوف والبنادق، وكان الجميع يتسابقون للانضمام إلى صفوف العرضة، حيث يقودهم رئيس الصف، ويرددون بعض الشيلات من شاعر الفرقة.

«ومن ذكريات عبدالعزيز الرندي يروى أن فرقة الدواسر كانت موجودة، وكان مقرها قصر نايف، وهي مكونة من أفراد قبيلة الدواسر الذين يؤدون «الفن الدوسري» الذي يعتمد على السامري، وكان رئيس الفرقة «فراج الوتيد»، ومن بعده ابنه صالح الوتيد الذي كان مشهوراً بالسامريات، ولا يمكن أن يعلو عليه فنان آخر». (ص 61).

ومن أطرف ما في حديث الكتاب «تاريخ الفرق الشعبية» ما يرد في (ص62) عن «التعاون الرسمي» مع الفرقة، يقول الباحث: «وكان أمير البلاد- آنذاك- يتبرّع بالبارود الذي كانت تُحشى به البنادق في ذلك الوقت، ويُقال للبندقية «التِّفَق»، وكان صوت البارود يُسمع مُجلجلاً خلال إقامة العرضة، حيث كان اللاعبون يطلقون البارود خلال عروضهم الحماسية، ولكن هذا التقليد اختفى مخافة حدوث إصابات للأهالي أو اللاعبين، واقتصر الأمر بعد ذلك على حمل السلاح (البنادق) واستخدامها من دون رمي بالبارود أو الرصاص». (ص 62).

ويضيف الباحث: «وفي الأجواء القديمة التي تحكي أجواء العرضات نرى الفرقة أمام قصر نايف، حيث يتجمع الشيوخ وكبار القوم وهم يحملون السيوف ويتقدمون في العرض، وكان من أشهر من يجيدون اللعب بالسيف الشيخ عبدالله الجابر الصباح، وهو يحب هذا الفن كثيراً، وكذلك الشيوخ، عبدالله الأحمد، والشيخ عبدالله المبارك، والشيخ ناصر الحمود الجابر، وجميع الشيوخ في ذلك الوقت». (ص 63).

كانت الأشعار وكلمات الأهازيج مهمة وذات دور بارز في الوصول إلى الجمهور وإثارة الحماس، وكما يؤكد «الحمد»: «الشاعر مُهم في تكوين وعمل الفرقة، وكان من الشعراء الذين كسبوا الشهرة الشاعر «عبدالله المجحم»، وهو من النجادة من جماعة عبدالعزيز الراشد، من أهل الزلفي، وكان هذا الشاعر «عبدالله المجحم» مشهوراً جداً ويسمّونه أمير الشعر، ولكن للأسف لا توجد أي معلومات عن سيرته، وكذلك أخذت الفرقة من أشعار شاعر كبير في السعودية يسمى «الصغير»، وجاء بعد ذلك الشاعر «محمد القطعي» الذي استمر فترة طويلة مع الفرقة، وهو شاعر نجدي من أهل «عنيزة»، وكسب فنّه شهرة كبيرة، وأخذ منه عبدالعزيز الرندي معظم القصائد الحربية التي كان يردّدها وأصبح عبدالعزيز الرندي هو شاعر الفرقة».

ومن المعلومات المهمة التي يتضمنها الكتاب عن أدوات الأداء وعدّة «فرقة الرندي» كالدفوف والسيوف، وعن الدفوف والطارات يقول كتاب «تاريخ الفرق الشعبية»، إن «مُعظم أفراد الفرقة البالغ عددهم 80 عضواً يمكنهم التناوب في حمل هذه الدفوف أثناء العرضة، ويحرص عبدالعزيز الرندي على أن تكون لدى الفرقة كمية من السيوف، حيث لديهم 30 سيفاً، لا تقل قيمة كل واحد منها عن 100 دينار، وأحسن السيوف صنع تركيا، وبعدها السعودية، وتأتي السيوف كإهداء من الحكّام والشيوخ». (ص 65).

ثاني الفرق الشعبية «البرية» في كتاب «الحمد» الشامل، الفرق الشعبية «فرقة الفنطاس»، وكان رئيس الفرقة أثناء إعداد التحقيق في يوليو 1973 «فرج مقبل الفرج» ومقر الفرقة ديوانية الفنطاس، وكان تكوين الفرقة في عهد «الشيخ مبارك الصباح» في الفنطاس.

وعن «تخصصات» الفرق يشير المؤلف، بأن «فرقة الفنطاس مشهورة بفن العرضة الحربية والسامري، ويقول الفنان محمد العيسى الردهان وهو صاحب السلاح إنه لو حدث «فزعة حرب» لسارت إليها عدة الفنطاس، ولو كان هناك عرس أو مناسبات وطنية لشاركت بها الفرقة، وقد حضرت فرقة الفنطاس حرب الجهراء وما قبلها من الحروب، حيث شاركت بعرضتها الحربية، حيث كانت مُهمتها إعداد الرجال وبث الحميّة بنفوسهم لدخول المعارك»، فكانت العرضة تؤدي دور «المناورات العسكرية» إلى حد ما التي ترفع المعنويات وتحضر الجنود لخوض القتال!

ويقول عن فرقة الفنطاس إنها «لم تكن تعرف في بداية تأسيسها غير فن العرضة الحربية، حيث لم تكن هناك فرقة أخرى إلى أن ظهرت فرقة الرندي الشعبية، ثم ظهرت فرقة اللنقاوي، وهي فرقة بحرية تمتاز بفنون البحر، وتبعتهم فرقة أولاد بن حسين البحرية، وبعد ذلك أخذت فرقة الفنطاس بعض فنون السامري من الفرق التي ظهرت في الكويت وخاصة البحرية منها، ولكن ما زالت تحتفظ بطابعها الأصيل وهو العرضة البحرية التي تُمارس أيام المناسبات، وأما فن السامري فهو يؤدى في الأفراح والمُناسبات». (ص 68).

ومن الذكريات التي رواها كبار السن من أعضاء الفرقة عن أيام الشيخ مبارك الصباح «أنهم كانوا يمشون على أرجلهم للعرضة من الفنطاس وحتى مدينة الكويت في المناسبات الوطنية (المسافة تقريباً 34 كيلومترا)... حيث يدعوهم إليها «الشيخ مبارك الصباح»، فيؤدون عروضهم، ويعودون إلى الفنطاس سيراً على الأقدام أيضاً، كما يتذكرون أن «الشيخ عبدالله السالم» كان يزور الفنطاس ويمكث لدى ديوان أسرة «المزيعل» طوال اليوم، حيث كان أعضاء الفرقة يؤدون السامري الذي كان يُغرم به كثيراً «الشيخ عبدالله السالم». (ص 70).

يتبع، ، ،