نظّمت رابطة الأدباء الكويتيين محاضرة بعنوان «تايريسياس العراف... الحقيقة والقدر في مأساة أوديب»، قدّمها الباحث عدنان العبّار، وتناولت المحاضرة دور العرّاف المحوري في كشف الحقائق المروعة عن القدر في الأدب اليوناني القديم من خلال العمل الأدبي الشهير «أوديب الملك»، وبنهاية المحاضرة قام أمين الرابطة م. حميدي المطيري بتكريم العبار.

استهل العبار المحاضرة بالحديث عن أهمية النظريات الأدبية التي تشكّل إطارًا ضروريًا لفهم وتفسير الأعمال الأدبية، ومن دونها، يبقى النص الأدبي عقيمًا، وأعطى نموذجا لأحد النقاد الذين ساهموا بشكل بارز في هذا المجال هو برنارد نوكس، أحد قامات مدرسة النقد الحديث (New Criticism)، الذي أثرى الساحة النقدية بترجماته وتحليلاته لمسرحية الملك أوديب، وقرأ العبار خلال المحاضرة بعض أسس تلك المدرسة النقدية، وطرح رأي البروفيسور نوكس عن المشكلة الأساسية في المسرحيات اليونانية - الزمن، وواجهها بمشكلة المعرفة كما يقدّمها الاقتصاديان توماس سول وفريدرك هايك.

Ad

وفي حديثه عن شخصية تايريسياس، قام العبار في البداية بتعريف الحضور بمعنى اسمه الذي يأتي من الكلمة اليونانية تعنى «البشارة» أو «النذير»، وهو اسم يتماشى مع وضعه كعرّاف، ومن ثم قام باستعراض سمات شخصيته، لافتا إلى أنه يعتبر شخصية محورية في المأساة، حيث يمثّل صوت الحقيقة التي لا يرغب بسماعها أحد، أن بطل القصة هو المجرم.

وخلال المحاضرة تطرّق العبار إلى رمزية العمى الذي يحمل دلالات عميقة، إذ إنه يُظهر أن رؤية الحقيقة تتطلب، أحيانًا، انعدام البصر عن الموجودات والنظر في المجردات. ووصف العبار تايريسياس بأنه يتمتع بالحكمة والمعرفة العميقة، وهو الشخص الوحيد القادر على كشف الحقيقة لأوديب، وهو ما يولّد حالة من التوتر بين رغبة أوديب في البحث عن الحقيقة الكاملة وبين خوف امرأته يوكاستا من عواقبها، فما أجمل الجهل لمن ضمن السقوط الحر (fall from grace).

وفي الختام، تطرّق العبار إلى بعض الدروس المستفادة من شخصية تايريسياس، ومنها أن شخصيته في «أوديب الملك» تجسّد مجموعة من الدروس الإنسانية العميقة، من الحكمة والمعرفة، إلى الصراعات الأخلاقية والمآسي الناتجة عن تلك المعرفة، مبينا أن تلك الشخصية تشجّعنا على التفكير في كيفية استخدام الحكمة والفهم بحياتنا اليومية، بينما نعيش في عالم مليء بالتحديات والقرارات الصعبة، ينبغي أن نتذكر أن الحكمة تتطلب الشك في أرسخ اعتقاداتنا، وأنه لا ضمان من المأساة في الحياة، والأوجب أن يتعلم الإنسان تقبّل مصيره برواقية ومسؤولية.