لم يكن سوق المباركية يوماً ما منطقة مغمورة أو بعيدة عن حسابات الزوار من أهل البلد أو السياح، خاصة في أيام الشتاء واعتدال الطقس، وقد أثبت ذلك السوق رغم حفاظه على طابعه القديم أنه خارج عن منافسات موضة المولات وتقلبات أذواق الزبائن الذين يتعاملون مع المولات كحضارات سادت ثم بادت، لذلك بقي هو على مر الأزمان خالداً في الذاكرة الكويتية محتفظاً بمغناطيسه السحري الذي يجذب الناس بشوق متجدد.
إذاً ما الذي حدث أثناء بطولة كأس «خليجي زين 26»؟ وما الجديد الذي ظهر في سوق المباركية وجعل من السوق هو الحدث الرئيس وليس مباريات كأس الخليج؟
ما حدث برأيي الخاص هو أن سوق المباركية ثأر لنفسه في معركة البقاء وأهمية الأماكن التاريخية والتراثية التي تعاني الإهمال أو الابتلاع من المشاريع التجارية التي لا تعرف قيمة تلك المواقع في تكوين هوية المجتمع وتاريخه وإرثه الحضاري.
لقد تفجّر المخزون الحضاري في سوق المباركية لتخرج منه الهوية الكويتية الأصيلة التي احتضنت كل الجماهير الخليجية في مشهد يومي مبهر لمشجعين تنافسوا في الغناء والأهازيج في فضاء موازٍ لمدرجات ملاعب الكرة، أجواء من الفرح والسعادة متواصلة حتى ساعات متأخرة من الليل لا يكدر صفوها إنذار أو «بلنتي».
وأكررها، لقد ثأر سوق المباركية لتاريخه، وذكّر الناس بشقيقه سوق الأحمدي القديم الذي لا يزال ينتظر من أصحاب القرار التفاتة كريمة تعيده إلى ممارسة دور مماثل لسوق المباركية، لقد أرغم سوق المباركية جيل الـ «تيك توك» على اكتشافه والذهاب إليه، بعد أن أصبح هو «الترند» ليعرفوا كم من الوقت أضاعوه في حياة فارغة من الروح وعبق الماضي والهوية الواضحة.
في الختام، لقد قدم سوق المباركية ضمن ما قدمه خلال أيام قليلة حقيقة لا تزال باقية، وهي أن الكويت قادرة على الإبهار والتفوق متى ما أتيحت الفرصة لطاقاتها الكامنة أن تفعل ما يوازي طموح تلك الطاقات.