يلجأ أغلب المدرسين إلى «العقاب الجماعي» لأنه من أسرع الوسائل لفرض الانضباط والهيبة، خصوصا عندما تخرج الأمور عن السيطرة ويصعب تحديد المذنب الحقيقي، فيُصبح العقاب الجماعي أفضل أداة فورية لفرض النظام، فالعقاب الجماعي وإن كان قاسيا، فإنه أنسب الطرق لتعلم مبدأ المسؤولية الجماعية، الذي يذكّر الجميع بالالتزام بالقواعد والقوانين، حتى لا يتحوّل الخطأ الفردي إلى عقوبة جماعية، فهو يحمل رسالة واضحة للطلبة بأن يندمجوا في محيطهم وألا يكونوا بمعزل عنه، وأن الفعل الفردي لا يخص صاحبه بل يعم الفصل بأكمله، فلا يجوز إتلاف الممتلكات والتستر على المخرّب.

إن القائد الذي يطبق مبدأ العقاب الجماعي يأمل أن يُربي الفريق أو المدرسة التي يديرها على المسؤولية المشتركة، ويحول كل فرد فيها إلى رقيب ذاتي لنفسه ولغيره، ولا يقتصر هذا النظام الصارم على المدارس فقط، فقد نراه في الفِرق الرياضية أو الجيوش النظامية، التي يتطلب منها الحزم والانضباط في الأداء.

Ad

أعزائي القراء، قد كان هذا أفضل ما يمكن قوله عن مبدأ العقاب الجماعي، الذي قد يسميه البعض «المساواة في الظلم»، ولكن بالرغم من قوة تأثير هذا المبدأ وهيبته في النفوس، فإنه قد يحمل آثارا سلبية بالغة الخطورة خاصة لدى الأطفال أو المراهقين، الذين قد يشعرون بالإحباط والقهر، وفقدان الثقة في الإدارات المدرسية.

ولا أخفي على حضراتكم، أن الاختصاصي الاجتماعي ومعلمي قسم الإشراف في المدارس، لا يمكنهم أن يتركوا وظيفتهم الأساسية ويتحولوا إلى «شارلك هولمز» ثم إلى «فرانك كابريو» ! وكذلك لا يعقل أن ننشئ قسما متخصصا للمباحث السلوكية والأدلة الجنائية المدرسية، في المدارس لتقصي الحقائق وكشف المذنب، وتحويل الطلبة لهذا القسم!

إن العقاب الجماعي قد يبدو خيارًا عمليًا لفرض النظام بأسرع طريقة ممكنة في مجتمع تسود فيه الفوضى والاستهتار، لكنه غالبًا ما يكون مكلفًا أخلاقياً وإنسانياً، ويعد انتهاكًا لمفهوم العدالة الأساسي، لأن الأبرياء يشعرون بأنهم ضحايا لأخطاء غيرهم، مما قد يخلق توترا في العلاقات وإلى خلافات وانقسامات.

والسؤال المهم: متى نلجأ للعقاب الجماعي؟ ومتى نتركه؟ ومتى نزيد وطأته ومتى نخففه؟ ومتى نستثني منه شيئا ومتى نعممه؟ وهل تطبيق القانون «يعني» تطبيق العدالة؟

يروى أن رجلا جاء إلى الحجاج وقال له: إنّ أخي خرج مع ابن الأشعث، فلما لم تظفرُوا به عمدتم إليّ، فضُرِبَ على اسمي في الديوان، ومُنعْتُ من العطاء، وهُدِمتْ داري!

فقال له الحجاج: أما سمعتَ قول الشاعر:

جانيك من يجني عليك وقد... تعدي الصحاحَ مباركُ الجُربِ

ولَرُبَّ مأخوذٍ بذنب عَشيرة... ونَجا المقارفُ صاحب الذنبِ

قال الرجل: أيها الأمير، إني سمعت الله يقول خيرًا من هذا، فقال الحجاج: وما قال؟ قال الرجل: «قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ* قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ» فقال الحجاج للحارس: يا غلام، أعد اسمه إلى الديوان، وأعطه عطاءه، وابنِ داره، ومُر منادياً ينادي بالمدينة: «صدق الله وكذب الشاعر».