أرسلت الحكومة السورية المؤقتة تعزيزات إلى مركز ثقل الأقلية العلوية بمناطق مدن الساحل التي تضم اللاذقية وطرطوس لملاحقة «فلول نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد»، تزامناً مع تشديد الحملة الأمنية على جنوب دمشق لبسط الأمن وتفتيش المزارع والمناطق المشتبه بوجود الحرس الثوري الإيراني بها.

وأعلنت إدارة العمليات العسكرية إلقاء القبض على «سفاح سجن صيدنايا» اللواء محمد كنجو حسن، في قرية خربة المعزة بريف طرطوس غداة مقتل 14 من عناصر الأمن و3 مسلحين بكمين نصبته مجموعة موالية للأسد.

Ad

وذكر المرصد السوري أن اشتباكات عنيفة وقعت بين قوات الإدارة الجديدة التي تهيمن عليها «هيئة تحرير الشام» بزعامة أحمد الشرع في معرة المعزة بطرطوس خلال إلقاء القبض على كنجو المتهم بإصدار أحكام إعدام ميدانية تعسفية بحق آلاف السجناء في صيدنايا. وشهدت منطقة مساكن «الحرس الجمهوري» في قدسيا بريف دمشق اشتباكات عنيفة، قبل أن يعلن فرض حظر التجول.

وفي هذه الأثناء، رد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ضمناً على تحذير وزير الخارجية السوري أسعد شيباني لطهران بعدم نشر الفوضى في بلده بالقول: «إننا لا نخوض صراعاً وشجاراً مع أحد»، مؤكداً «اننا نحمي ونحافظ على وحدة أراضي إيران بقوة، ولن نسمح لأي أحد بالاعتداء والتطاول، مثلما أننا لا نطمع في أراضي أي دولة أخرى».

وبينما التقى الشرع وفداً عراقياً رفيعاً بقيادة مدير الاستخبارات حميد الشطري لبحث متطلبات أمن الحدود المشتركة، اعتبر وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف أن «الإدارة السورية تتعرض لضغوط كبيرة من الغرب لوقف التعامل معنا».

وفي تفاصيل الخبر:

بعد يوم ساخن شهد اشتباكات في حمص واللاذقية أدت إلى سقوط قتلى وجرحى من أفراد قوات الأمن إثر تعرضهم لكمين من قوات النظام المخلوع، بدأت إدارة العمليات العسكرية أمس بالتعاون مع وزارة الداخلية السورية عملية لضبط الأمن والاستقرار والسلم الأهلي وملاحقة «فلول ميليشيات الأسد» في أحراش وتلال ريف محافظة طرطوس على الساحل السوري، حيث تتركز الأقلية العلوية التي ينحدر منها الرئيس المخلوع بشار الأسد.

ووصلت تعزيزات أمنية كبيرة إلى الساحل، في شمال غرب سورية، وسط اشتباكات بين عناصر من «الداخلية» ومجموعات مسلحة تصفها بأنها «خارجة على القانون»، في حين انطلقت حملة أمنية موازية واسعة النطاق في مناطق قدسيا، والهامة، وجبل الورد، وحي الورود في ريف العاصمة دمشق، جنوب غرب البلاد، بهدف تمشيطها وضبط السلاح غير الشرعي، واعتقال المتورطين في أعمال الشغب.

وذكرت تقارير أن العمليات الأمنية تشمل تفتيشاً دقيقاً للمواقع والمزارع التي تتمركز فيها مجموعات خارجة عن القانون، لديها ارتباطات بالنظام المخلوع وبـ«الحرس الثوري» الإيراني.

وبعد يوم من سجال بين الإدارة الجديدة بدمشق ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بشأن مستقبل سورية وانتشار الفوضى بها، نشرت صفحات على منصات التواصل بياناً منسوباً إلى ما سمي بـ«المقاومة السورية» قالت فيه إنها نفذت كمينا محكما ضد «أحد أرتال العصابات الإرهابية لجبهة النصرة وأدى لمقتل 4 عناصر وحرق آليات عديدة وجرح 12 آخرين في خربة المعزة بطرطوس صباح الخميس».

جاء ذلك غداة مقتل 14 وإصابة 10 آخرين من أفراد قوات «الداخلية» إثر تعرضهم لكمين من «قوات النظام السابق» في ريف طرطوس.

وذكر المرصد السوري أن 17 شخصا قتلوا، من بينهم 14 من عناصر قوى الأمن و3 من المسلحين، في اشتباكات بمحيط قرية معرة المعزة بطرطوس بعد محاولة قوات الإدارة الجديدة اعتقال ضابط عسكري تولى مناصب في عهد الرئيس المخلوع مرتبطة بسجن صيدنايا.

واتهم المرصد الضابط المطلوب ويدعى محمد كنجو حسن بـ«إطلاق أحكام الإعدام والأحكام التعسفية بحق آلاف السجناء خلال محاكمات ميدانية في صيدنايا سيئ السمعة» قبل أن تعلن الإدارة الجديدة تمكنها من اعتقاله صباح أمس.

احتجاجات وتطمينات

في موازاة ذلك، خيّم هدوء حذر على أغلب مناطق حمص وبانياس وجبلة ومحافظات الساحل، بعد خروج احتجاجات عقب انتشار فيديو قديم لاعتداء على مرقد شيخ الطائفة العلوية «أبي عبدالله الحسين بن حمدان الخصيبي» خلال عملية تحرير حلب نهاية نوفمبر الماضي.

وأكد محافظ اللاذقية، محمد عثمان، التزام الحكومة المؤقتة برئاسة محمد البشير بالمحافظة على السلم الأهلي والتماسك المجتمعي، مشيراً إلى أن الأجهزة الأمنية والشرطية تقوم بواجبها لضبط الأمن في ظل التطورات الأخيرة.

كما دعا عثمان الشعب السوري إلى «التحلي بضبط النفس وعدم الانجرار وراء ردود الأفعال التي قد تؤدي إلى مزيد من التوتر».

من جهته، التقى محافظ طرطوس، أحمد الشامي، عددا من وجهاء ومثقفي وأعيان المحافظة، وأكد أهمية «تحكيم العقل واعتماد لغة الحوار لتجاوز التحديات».

ودعا إلى «تجنب محاولات إثارة الفتن والنعرات الطائفية، والعمل المشترك لبناء سورية الجديدة التي تستوعب جميع أبنائها، وتقوم على قيم الوحدة والحرية والعدالة».

على الجهة المقابلة، دعا ممثلون من المجتمع الأهلي العلوي في محافظة حمص إلى «نبذ الشعارات الطائفية والخطابات الاستفزازية، والكف عن التحريض الإعلامي، وتسليم السلاح للجهات المختصة في مدة أقصاها 5 أيام».

والتظاهرات التي خرجت في طرطوس واللاذقية وجبلة أمس الأول، وشهدت سقوط قتيل برصاص قوات الأمن، هي الأولى لأبناء الأقلية العلوية منذ أن أطاح تحالف الفصائل المسلحة بقيادة هيئة «تحرير الشام» الأسد وسيطرتها على دمشق بزعامة قائد العمليات العسكرية في الإدارة الجديدة أحمد الشرع الملقب بـ«الجولاني». وأعلنت السلطات في حمص وجبلة فرض حظر للتجول.

وفي محاولة لتطويق صدام طائفي مبكر، قد يمس بمصداقية التطمينات التي أطلقتها الإدارة الجديدة الخاضعة لهيمنة «تحرير الشام»، قررت وزارة الإعلام حظر تداول أو نشر أي محتوى إعلامي، أو محتوى خبري ذي طابع طائفي يهدف إلى بث الفرقة والتمييز بين مكونات الشعب السوري.

وقالت الوزارة، في بيان: «نؤكد ضرورة التزام كل المؤسسات الإعلامية والناشطين الإعلاميين بالعمل على نشر قيم التآخي والتعايش المشترك، مع التشديد على أن أي مخالفة لأحكام هذا القرار ستُعرّض أصحابها للمحاسبة القانونية».

تنسيق عراقي

على الصعيد الدولي والإقليمي، أجرى وفد عراقي رفيع برئاسة رئيس جهاز الاستخبارات حميد الشطري مباحثات مع أحمد الشرع في قصر الشعب بدمشق، تناولت التطورات على الساحة السورية «ومتطلبات الأمن والاستقرار على الحدود المشتركة».

وتزامنت الزيارة اللافتة مع وجود وزير الداخلية العراقي عبدالأمير الشمري في أنقرة التي دعمت تحرك الفصائل السورية للسيطرة على دمشق، منذ يومين بهدف إجراء مناقشات حول المخاوف المشتركة بشأن الأنشطة الإرهابية العابرة للحدود.

في موازاة ذلك، ذكرت وزارة الخارجية اللبنانية، أن بيروت تتطلع إلى «أفضل علاقات الجوار» مع سورية، في أول رسالة رسمية للإدارة الجديدة في دمشق.

وأفادت الوزارة عبر موقع إكس بأن وزير الخارجية عبدالله بو حبيب، نقل الرسالة إلى نظيره السوري أسعد حسن الشيباني، خلال اتصال هاتفي.

على الصعيد الإنساني جددت المفوضية الأممية تحذيرها من أن الظروف المادية داخل سورية مزرية، مؤكدة وجوب تقديم المزيد من المساعدات للاجئين العائدين والمحتاجين.