أعتقد أن من يتابعون الدراما السورية وخصوصاً التاريخية منها، وفي غمرة التطلعات الكبيرة لمستقبل سورية الجديدة بعد سقوط نظام الأسد، اكتشفوا أن الحاجز السياسي لسورية بعد عام 1970م قد تحطم، وبالإمكان كتابة المئات من الأعمال التي تحاكي أحداث ما بعد ما سميت الحركة التصحيحية وتولي حافظ الأسد مقاليد السلطة.
لقد كانت تلك المرحلة بحكم طبيعة النظام القمعي تحرم الدخول في تلك المنطقة، ولو على سبيل المديح والتطبيل، إذ لا أذكر أن هناك مسلسلاً سورياً تناول فترة حافظ الأسد أو ابنه، حتى المسلسل الذي لامس الكثير من فترة الابن وهو «ابتسم أيها الجنرال» ومثل فيه العشرات من الممثلين السوريين المقيمين خارج سورية لم يتحدث صراحة عن نظام الأسد، رغم أنه صُوّر خارج سورية وعُرض في قنوات بعيدة عن سيطرتها، لكنه قدم الكثير من المقاربات والسلوكيات المطابقة لما هو على أرض الواقع.
إن العناوين والأحداث التي أعقبت عام 1970م حافلة بعدد لا ينتهي من المواد التي تصلح أن تقدم على الشاشة أو المسرح أو أي أعمال أخرى فنية وأدبية، والآن سقط ذلك الجدار ولم يعد الرقيب أو الجزار موجوداً كي يحبس المؤلفون في فترة الاحتلال الفرنسي وقليل مما أعقبها، لكننا نتفهم أن الوضع الحالي فيه أولويات كثيرة، أبسطها ملف عودة المهاجرين واللاجئين، لقد حرصت على أن أقول (كتابة المئات من الأعمال) لا تصويرها لأن أوضاع السلطة الجديدة لم تحسم حتى الآن وإن كان المسار العام يسير نحو التهدئة وإطلاق الرسائل المطمئنة للداخل والخارج.
في الختام إن الحديث اليوم عن الدراما قد يبدو ترفاً لكنه على المدى الطويل، وإذا ما توافرت له «الحرية»، سيساهم بشكل كبير في صنع وعي عام يناهض الدكتاتورية واحتكار حرية التعبير، لقد تجرعت أوروبا مرارة إشعال حربين عالميتين واليوم الكثير من دولها القوية تتردد مليون مرة قبل القيام بأي عملية عسكرية خارج حدودها، والفضل يعود لمن زرعوا في أجيال ما بعد الحرب بالكلمة والصورة الثابتة والمتحركة كراهية الحروب والنزاعات والمآسي.