اطلعت قبل أيام على مشروع قرار تبعية الجهات والهيئات الحكومية للوزراء، الذي أعدته الأمانة العامة لمجلس الوزراء بتاريخ 13 نوفمبر 2024، ولنا بعض الملاحظات على هذا المشروع من الناحيتين الإدارية والتنظيمية، ولكن قبل التطرق لهذه الملاحظات من المفيد التطرق إلى ظاهرة التوسع في إنشاء الهيئات والجهات بالجهاز الحكومي وتعدد الجهات الملحقة وتزايد الهيئات المستقلة التابعة للوزراء خلال العقدين الماضيين، حتى أصبح عددها يعادل تقريباً 5 أضعاف عدد الوزراء! علاوة على أنه قد يختلف عدد الجهات والهيئات الملحقة وتبعيتها طبقاً لمسمى الحقيبة الوزارية التي يتولاها الوزير، بمعنى أنه بمجرد تغيير مسمى الوزير يتغير عدد الجهات أو الهيئات الحكومية.

والملاحظ زيادة عدد تغييرات التشكيلة الحكومية خلال السنوات العشر الماضية بشكل لافت للنظر مما نتج عنه العديد من المشاكل الإدارية والتنظيمية على مستوى الدولة، وأوجد خللاً وتشابكاً في الهيكل التنظيمي للجهاز التنفيذي للدولة، ويرجع السبب في اعتقادنا لعدم إعطاء أهمية لدراسة الهياكل التنظيمية ومعرفة طبيعة اختصاصات الوزارات والهيئات والمؤسسات والإدارات الحكومية، وأدى ذلك إلى التداخل في الاختصاصات والتشابك في مهامها مما نتج عنه إعاقة وتعطل كثير من المشاريع الاستراتيجية وأدى إلى ارتفاع تكلفتها وانخفاض الإنتاجية والأداء العام لأجهزة الدولة وإداراتها المختلفة.

Ad

وبالرغم من تكرار هذه الاختلالات والأخطاء التنظيمية في هذه الهياكل التنظيمة خلال السنوات الماضية فإن القائمين على الجهاز التنفيذي للدولة لا يزالون يصرون على المضي في اتباع الأخطاء التنظيمية والإدارية السابقة بدون أن يتم الاستماع لآراء المختصين في مجال الإدارة والتنظيم، ويحاولون تعديل الهيكل الإداري والتنظيمي للدولة بما يتناسب مع التغيرات والتطورات والمستجدات والتحديات المحلية والإقليمية والدولية، ويمكن أن يرجع البعض السبب الرئيس في ذلك إلى اتباع أسلوب المحاصصة الوزارية وقصر الوقت المتوافر للمستشارين القانونيين والمختصين بالتنظيم والإدارة بمكتب سمو رئيس مجلس الوزراء لإبداء آرائهم العلمية المتخصصة بشكل كامل ومستفيض قبل التشكيل النهائي للوزارة الجديدة، وكذلك بسبب وقوع سمو رئيس مجلس الوزراء تحت ضغوط سياسية واجتماعية وعامل السرعة لتشكيل الوزارة.

ومن الملاحظات الجديرة بالذكر حول مشروع قرار تبعية الجهات والهيئات الحكومية المقترح بتاريخ 13/ 11/ 2024 من الأمانة العامة لمجلس الوزراء الملاحظات التالية:

1- زيادة عدد الجهات التابعة للنائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، حيث كانت بعض هذه الجهات تتبع لوزراء آخرين مثل وزارة المالية (الإدارة العامة للجمارك) ووازرة الشؤون الاجتماعية والعمل (الهيئة العامة للقوى العاملة) ووزارة الدولة لشؤون مجلس الوزراء (الهيئة العامة للمعلومات المدنية).

2- وزير الكهرباء والماء والطاقة المتجددة، حيث تم إلحاق تبعية جهات جديدة ولأول مرة بوزير الكهرباء والماء والطاقة المتجددة كالأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية، والإدارة العامة للإحصاء، وفي اعتقادنا أنه ليست هناك علاقة تنظيمية أو فنية أو إدارية لإلحاقها بوزير الكهرباء والماء والطاقة المتجددة، والأنسب أن تلحق بالجهات التابعة لنائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء أو تلحق الإدارة العامة للإحصاء بوزير الدولة لشؤون الاتصالات.

3- وزير النفط ألحقت به الهيئة العامة للبيئة، وأرى أنه من الأنسب أن تلحق بوزير الدولة للشؤون البلدية ووزير الدولة لشؤون الإسكان لقرب طبيعة عمل ومهام الهيئة العامة للبيئة مع قضايا البلدية والإسكان أكثر من علاقتها مع القضايا النفطية.

4- يلاحظ أن عدد الجهات الملحقة لكل وزير تتراوح بين جهتين حكوميتين مثل وزير التربية إلى 10 جهات مثل وزير المالية ووزير الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار.

5- يلاحظ أن كلا من النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير التعليم العالي قد ألحق بكل منهما 9 جهات وهيئات حكومية، حيث يأتيان بالمركز الثاني بعد وزير المالية ووزير الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار.

6- ويتساءل البعض عن مدى تناسب عمل وطبيعة الجهات ومهام الهيئات الملحقة للسادة الوزراء مع تخصصاتهم العلمية وخبراتهم العملية. والجدير بالذكر أنني قد ذكرت في مقالات سابقة أهمية وضرورة أن لا يتم زيادة العبء والمسؤوليات على الوزراء، وذلك من خلال إلغاء بعض الهيئات والجهات الحكومية أو دمجها علاوة على ضرورة إعادة هيكلة الجهاز التنفيذي للدولة وأن عملية دمج بعض الهيئات والادارات وتقليص الصلاحيات لبعض المسؤولين لن تمر بسهولة، وسيتم مقاومتها من عض القيادات الإدارية الحكومية وبعض المتنفذين وأصحاب المصالح بالجهاز الحكومي... ودمتم سالمين.