بينما أستمع لأغاني مايسترو العرب والكويت الفنان الراحل عبدالكريم عبدالقادر، شدتني أغنيته الشهيرة «عَمَار يا كويتنا، عَمَار يا حُبنا»، وهي ذات تسجيلٍ مصوّرٍ قديم يوثق النهضة العمرانية بالكويت في فترةٍ أحسبها وأظنها ستينيات أو سبعينيات القرن الماضـي، هذه الأغنية دفعتني للبحث أكثر والمقارنة بين ما عاشته الكويت العزيزة من نهضةٍ في تلكم الفترة، وبين ما هي عليه الآن من ثورةٍ شاملةٍ ونهضةٍ كاملة، فالكويت حالياً تعد أحد الأسود العربية - على غرار النمور الآسيوية - نظراً لما حققته من تطورٍ وتقدمٍ كبيرين في شتى المجالات، لتصبح بحق قلعةً حضارية كبيرة ووجهةً تنمويةً ذائعة الصيت، بل مركزاً عالمياً يُشار إليه بالبنان، وهذا ليس بغريبٍ على قادة وعقول ومُفكري الكويت الذين كانت وما زالت لهم بصمات تنموية في العالم أجمع، فما بالكم بوطنهم وبلدهم؟! ولهذا وجدت من خلال المقارنة والبحث أن البون شاسعٌ والواقع أفضل وأحسن وأكبر بكثير، نظراً لكون الأهداف كبيرة، والأفكار شامخة سقفها وعنانها السماء لا غيرها.

ولعلني سأورد ذلك بتفصيلٍ مُقلٍّ ودقيق، ففي الزمن القديم كانت الكويت تُعرف باسم «كاظمة» إلى أواخر القرن السابع عشـر الميلادي، ثم أطلق عليها اسم «القرين» في أوائل القرن الثامن عشـر، غير أن هذا الاسم ظلَّ هو الأكثر وروداً في الخرائط لقرنٍ من الزمن، وكذلك سميت «الكوت» نسبةً إلى الحصن الذي لجأ إليه «بنو خالد»، ومن ثم استقر به «آل الصباح» عند مجيئهم إليها، لتستقر أخيراً على اسم «الكويت» الذي هو تصغيرٌ لكلمة «كوت»، أي الحصن أو القلعة، هذه الدولة التي كانت منطقة نائية لا يتجاوز عدد بيوتها الـ 6 آلاف بيت، وشاطئاً صحراوياً مهجوراً، ولم تكن مبنيةً كغيرها من الحواضـر العربية حينها، وللعودة أكثر إلى التاريخ فقد عاصـرت الكويت خلال تاريخها مملكة كِندة، ومملكة دلمون، وتعرَّضت للاحتلال من الدولة الكاشية، ومن ثم لسيطرة الإسكندر المقدوني، وبعدها خضعت للدولة الفارسية، ودخلت في نطاق دولة الإسلام على امتدادها وتنوعها، ثم تعرضت للاحتلال البرتغالي، فالوجود العثماني، وأخيراً للانتداب البريطاني عام 1899م الذي نالت استقلالها منه عام 1961م، لتتحول بعد ذلك إلى دولة مستقلة ذات سيادة، بل واحدة من الدول النفطية الغنية في منطقة الخليج العربي.

وما يهمنا - في مقالنا هذا - هو تدوين نهضة الكويت، النموذج الأجمل في الوطن العربي، التي ربما يصح لنا تقسيمها إلى مرحلتين:

Ad

(النهضة الأولى: عهد بدايات اكتشاف النفط، والنهضة الثانية: بعد الغزو العراقي)، فالمعروف أن الكويت أسست على يد مؤسسها الأول الشيخ صباح الأول عام 1752م - حسب المصادر الكويتية الرسمية - في حين يعدّ الشيخ مبارك الصباح المؤسس الفعلي لها عام 1896م، وبالرغم من وقوعها حينذاك تحت سيطرة الانتداب البريطاني، فإنها بدأت التفكير في بناء دولةٍ حديثة في ثلاثينيات القرن الماضـي، لا سيما بعد اكتشاف الشـركات البريطانية للنفط فيها لأول مرةٍ عام 1937م، وعندها كان لا بد للكويت من التميز والتفرد على غيرها من الدول، وذلك عبر انتهاجها نظام حكمٍ سياسـي قائمٍ على إشـراك الشعب، فأجرت أول عملية انتخابٍ ديموقراطي لأول برلمان كويتي عام 1938م، وقد ساهم هذا المجلس في انتزاع الحقوق السيادية الوطنية للكويت، فحظيت بالاستقلال عن بريطانيا عام 1961م، وحازت اعترافا عربيا ودوليا، عندها قامت بوضع أُسس نهضتها العمرانية والحضارية الكبيرة، حيث سابق الكويتيون الزمن لبناء مستقبلهم الزاهر، فكانت الكويت من أولى الدول في المنطقة التي اعتمدت النمط الحضاري في بناء منازل فسيحة، وفيلاتٍ أنيقة، وعماراتٍ شاهقة، حتى أصبحت مِثالاً يقتدى به في مختلف الدول العربية، أضف إلى ذلك كونها منارةً ثقافيةً عربيةً كبيرة، اهتمت بالترجمة والطباعة والنشـر، بل انفتحت على الصحافة الحرة لتتفرد بذلك هذه الدولة في كل عناصـر الجمال والتحضـر والتقدم.

أما النهضة الثانية المتمثلة بنفض رُكام الغزو العراقي للكويت عام 1990م، حيث أعاد الكويتيون بناء وطنهم من جديد، بطريقةٍ متفردةٍ ومتميزةٍ - كما هي عادتهم - جعلتها مثالاً للإلهام والإبداع والرقي، الذي حاز اهتمام وتقدير العالم أجمع، نفَّذته من خلال عملٍ دؤوبٍ ومخططٍ ومنظم استطاعت الكويت قيادةً وحكومةً وشعباً الوصول إلى مراتب متقدمة في قوائم التصنيف العالمية والمؤشـرات الدولية، حيث تم تصنيفها ضمن قائمة الدول الأعلى دخلاً في العالم، وحصولها على المرتبة الثالثة في مؤشـر السلم والأمن في منطقتنا العربية، الأمر الذي جعلها بيئة أعمالٍ خصبة تجذب استثماراتٍ كبيرة، مع تـميزها أيضاً بمستويات تضخمٍ منخفضة ونسبة بطالة لا تكاد تُذكر، وأن امتلاكها لاحتياطاتٍ أجنبيةٍ ضخمة وفَّر لها ملاءةً ماليةً قوية تدعم عملتها الوطنية (الدينار) وتحافظ على استقرار اقتصادها، ويعد صندوقها السيادي في المرتبة الرابعة عالمياً باستثماراتٍ موزعةٍ في 44 دولة، مما جعلها في مكانةٍ متميزةٍ ومرموقة على مثيلاتها من دول المنطقة، كما أن انتهاجها لتنويع مصادر دخلها بعيداً عن النفط قد عزَّز سمعتها ومكانتها عالمياً.

والزائر للكويت اليوم يشهد نهضةً شاملةً كاملةً في المجالات كافة، ليصدق فيها الحال بأنها أيقونة العرب بل لؤلؤتهم الاقتصادية والثقافية– كما وصفها رئيس وزراء لبنان الأسبق سليم الحص– ولعل رحلتها هذه يجب أن تقرأ قراءةً فاحصةً ودقيقة لاستلهام هذه التجربة الفريدة في عالمنا العربي، فالدولة التي كانت قائمةً على التجارة البحرية فقط، على (2,000) مركب صيد لاستخراج اللؤلؤ وبيعه في البحرين وعُمان، والمسافرة سفنها عبر البحار إلى الهند وزنجبار وعدن للتجارة، ها هي اليوم من أكبر الدول العربية اقتصاداً وأرقاها نهوضاً وازدهاراً، وهذا يحق لها لكونها، الدولة التي زرعت حُبَّها، ونـمَّت جذوره، وتفتحت براعمه في كل الوطن العربي الكبير، الدولة العاشقة للجمال والفنون، والفاتحة ذراعيها لكل شـيءٍ جميل، الدولة الراقية بأخلاق شعبها، ورقي حُكامها وتواضعهم، الدولة السند والعضيد وقت الشدائد والمحن، الدولة الأمل لكل الأمة العربية والإسلامية، والدولة ذات الشأن الكبير في عالم اليوم، الدولة الخالدة في قلوب مُحبيها، عشقنا الدائم، وحُبنا الأكبر، وروحنا الهائمة، الدولة التي حملت الثقافة والفنون والآداب العربية إلى العالمية، وطن العظماء الأفذاذ كالعالم الفلكي صالح محمد العجيري، والأديب عبدالعزيز بن أحمد الرشيد، والشاعر عبدالعزيز بن سعود البابطين، والأديب عبدالرزاق البصير، والأديب عبدالعزيز ملا حسين، ومؤلف النشيد الوطني الكويتي الشاعر أحمد مشاري العدواني، والروائيون أحمد يوسف بهباني، وإسماعيل فهد إسماعيل، وطالب الرفاعي، والصحافيان يوسف العليان، ومحمد مساعد الصالح، والرياضيون جاسم يعقوب، وجاسم عبدالعزيز القطامي، بلد السيدات الناجحات كالدكتورة حصة الرفاعي، والشيخة ماجدة الصباح، والدكتورة فايزة محمد الخُرافي، والشيخة حصة صباح الصباح، والأديبة ليلى العُثمان، والروائية باسمة العِنزي، والكاتبة أُميمة العيسى، والمخرجة السينمائية الزين الصباح، والدكتورة سعاد الصباح، وموطن رجال المال والأعمال، كمحمد عبدالمحسن الخُرافي وأولاده، وفهد عبدالعزيز المطوع الصالح، والدكتور يوسف العوضـي، ومحمد العتيقي، ومهد الفنانين الكبار، أمثال: عبداللطيف الكويتي، وعبدالكريم عبدالقادر، وعبدالله الرويشد، ونبيل شعيل، ونوال، وسعد الفرج، وحمد عيسى الرجيب، وسعاد العبدالله، وغانم الصالح، وعبدالحسين عبدالرضا، وداود حسين، ومريم الغضبان.

الكويت مصدر مجلات العربي، وكاظمة، وعالم الفكر، والتوحيد، والبعثة، والفكاهة، واليقظة، والرائد، والشعب، وصحف الجريدة، والقبس، والأيام، والرأي، والسياسية، والأنباء، والنهار، والصباح، والوسط، والدار، والوطن وغيرها الكثير والكثير، الكويت وطن الجمال والكمال، وطن الخير والنماء، منبع الخير والسلام، وحفظ الله الكويت وأهلها.

* كاتب وباحث من اليمن.