بالنسبة للملايين من عشاقه، انتهى الجدل الذي كان يحيط بالنجم الأرجنتيني ليونيل ميسي كأعظم لاعب كرة قدم في التاريخ، غداة فوزه بمونديال قطر على حساب فرنسا، حاملة اللقب، بركلات الترجيح 4-2، بعد تعادلهما 3-3 في الوقتين الأصلي والإضافي أمس الأحد.

لطالما عاب سجل «البرغوث» الصغير المثقل بالانتصارات عدم فوزه بالكأس الذهبية، لتشكل هذه العقبة مادة جدل دسمة عندما تدق ساعة ذكر عظماء كرة القدم، ما كان يحول دون تدوين اسمه أمام مواطنه الراحل دييغو أرماندو مارادونا والأسطورة البرازيلي بيليه، غير أن فوز «راقصي التانغو» على منتخب «الديوك» أمس الأحد على ملعب لوسيل بالدوحة، أقفل نهائياً بوجه المشككين ملف القضية ضد «المايسترو» البالغ 35 عاماً.

Ad

في مسيرة متألقة امتدت ثلاثة عقود، فاز ميسي ب37 لقباً مع برشلونة الإسباني وباريس سان جرمان الفرنسي، إضافة إلى تتويجه بجائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم 7 مرات، وإحرازه جائزة الحذاء الذهبي لأفضل هداف في أوروبا 6 مرات، وبين هذه الفصول الزاخرة بالألقاب، أحرز ميسي بقميص منتخب بلاده لقب مسابقة كوبا أميركا، وتوج عنقه بميدالية ذهبية أولمبية، إضافة إلى قائمة من الأرقام القياسية على الصعيد التهديفي والإحصاءات المذهلة التي من الصعب تحطيمها في القريب العاجل، وسد الفجوة الوحيدة المتبقية في سيرته الذاتية بالفوز بكأس العالم، في أمسية ساحرة استمرت 120 دقيقة مجنونة في استاد لوسيل.

تحطيم الأرقام القياسية

وفي آخر ظهور له بنهائيات كأس العالم، حطم ميسي العديد من الأرقام القياسية، منها مشاركته في مباراته ال 26 في المونديال، بينما سجل هدفين من ثلاثية فريقه في تعادل مثير 3-3، قبل الاحتكام إلى سيناريو الركلات الترجيحية الذي ابتسم للأرجنتين.

وحتى ثلاثية أفضل هداف في مونديال قطر برصيد 8 أهداف، الفرنسي كيليان مبابي لل «زرق»، لم تتمكن من إقلاق راحة ميسي المتواعد مع القدر في أمسية بدت أنها ستبتسم ل «البرغوث» الصغير في نهاية المطاف.

وكتب مهاجم إنكلترا وبرشلونة السابق هداف مونديال 1986 الإنكليزي غاري لينيكر، عبر صفحته على «تويتر»، «لقد كان امتيازاً مطلقاً مشاهدة ليونيل ميسي لما يقرب من عقدين. لحظة بعد لحظة من كرة القدم المبهرة والمبهجة بشكل مذهل. إنه هدية من آلهة كرة القدم».

ولم تشذ كلمات مواطنه المدافع الدولي ديكلان رايس، إذ أثنى في حكم فوري على ميسي بعد انتصار أمس الأحد، قائلاً: «ليونيل ميسي. الأفضل على الإطلاق»، مضيفا: «لن نرى لاعباً مثل ميسي مرة أخرى أبداً».

وما إذا كان ميسي فعلاً «الأعظم على الإطلاق» هو بالطبع مجرد سؤال، لكنه غير مجد، تماماً مثل الإجابة غير موضوعية. هي لعبة سؤال وجواب يمكن تلخيصها بكيفية النظر إلى الأمور.

الأعظم في الترتيب

لكن الأمر الذي لا يمكن إنكاره، هو أنه من خلال ما قدّمه ميسي لكرة القدم ومجموعة الألقاب والكؤوس في خزائنه، يتفوق على مطاردَيه المباشرين بيليه ومارادونا في نادي العظماء.

وبينما لا تزال انتصارات بيليه الثلاثة في كأس العالم غير ملموسة وفي مجرة أخرى، يخفت بريق مسيرة الأيقونة البرازيلية مع الأندية مقارنة بميسي.

في سنوات ذروته مع برشلونة، تربع الأرجنتيني دون انقطاع على قمة كرة القدم في القارة العجوز، حيث توج بأربعة ألقاب في دوري أبطال أوروبا، وتحديداً في أفضل مسابقة كروية وحتى أعلى فنياً من المسابقات الدولية.

في المقابل، رفع مارادونا كأس العالم مرة واحدة (مونديال المكسيك 1986)، في حين لم يفز بلقب المسابقة القارية الأعرق خلال مسيرته الكروية مع الأندية التي دافع عن ألوانها وأبرزها برشلونة ونابولي الإيطالي. ويقف البعض، لتبرير سجل ميسي، خلف حجة أن بيليه ومارادونا لعبا في عصر حظي فيه اللاعبون بحماية أقل بكثير من أمثال الأرجنتيني ومنافسه الأبرز النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو.

وغادر بيليه نهائيات كأس العالم عام 1966 في إنكلترا من الباب الضيق، بعدما تعرض لكم هائل من التدخلات القاسية، فيما نال مارادونا قسطه من المعاملة الخشنة والقاسية طوال مسيرته، ويتردد زميل مارادونا الدولي السابق خورخي بوروتشاغا عندما تصل المسألة إلى حد المقارنة بين اللاعبين عبر الأجيال.

ويؤكد صاحب هدف الفوز، بعد تمريرة من «الولد الذهبي» في مونديال 1986 على ألمانيا الغربية 3-2، ببساطة أن ميسي هو أعظم لاعب في عصره، إذ قال بوروتشاغا لوكالة فرانس برس قبل نهائي أمس الأحد في الدوحة «فاز أم خسر، ميسي ليس أكثر أو أقل من مارادونا».

وأضاف: «ميسي سيكون في التاريخ مهما حدث. هناك خمسة لاعبين في السبعين عاماً الماضية يمكن اعتبارهم الأفضل في العالم: (الأرجنتيني-الاسباني ألفريدو) دي ستيفانو و(الهولندي) يوهان كرويف وبيليه ومارادونا وميسي»، متابعاً: «ميسي في تلك القائمة سواء فاز بكأس العالم أم لا. لكنني أتمنى أن يفعل ذلك».

على ملعب لوسيل، وفي أمسية ساحرة بامتياز، تحقق أمل بوروتشاغا والملايين من المواطنين الأرجنتينيين بعد 36 عاماً من الانتظار.

ليونيل: شكراً جزيلاً لعائلتي ولكل مَن دعمني
عانق ليونيل ميسي عائلته وزملاءه في الفريق بعد الفوز بمونديال قطر 2022، بينما لم يستطع المدرب ليونيل سكالوني والجناح أنخل دي ماريا الذي سجل هدف الأرجنتين الثاني، وحارس المرمى إيميليانو مارتينيس احتواء دموعهم بعد صافرة النهاية.

رفعه اللاعب الدولي السابق سيرخيو أغويرو على كتفيه، وجال به في الملعب، وسط موجة من الجماهير.

وقال ميسي إنه لا يصدق أن المنتخب الأرجنتيني لكرة القدم أنهى فترة انتظاره الطويلة للتتويج ببطولة كأس العالم، وذلك بعد الفوز المثير على المنتخب الفرنسي في المباراة النهائية لمونديال قطر 2022.

أما بالنسبة للمباراة، قال ميسي إنه كان من الصعب تفسير السيناريو، بعد أن تخلت الأرجنتين عن تقدّمها بهدفين، عندما عادل كيليان مبابي في الدقيقتين 80 و81 ويأخذ المواجهة الى التمديد.

وقد تقدمت الأرجنتين مجدداً عبر ميسي (108)، بعد أن سجل الهدف الأول في المباراة من ركلة جزاء في الشوط الأول، إلا أن مبابي أكمل ال «هاتريك» في الدقيقة 118 لتذهب المباراة إلى ركلات الترجيح.

وقال «البرغوث» إنها «كانت مباراة غريبة جداً، مثل الأخرى ضد هولندا (في ربع النهائي)، وعندما تقدّمنا في الوقت الإضافي، حدث ذلك مرة أخرى (معادلة فرنسا)»، مضيفاً أن مجسّم كأس العالم «جميل جداً».

وكتب على «إنستغرام»: «حلمت بالتتويج باللقب في مرات عديدة، أردته بشدة لدرجة أنني لا أصدق أنني توّجت به».

وأضاف: «شكراً جزيلاً لعائلتي، لكل من دعمني ولكل من آمن بنا. أثبتنا مرة أخرى أن الأرجنتينيين عندما يقاتلون معاً ويتحدون تصبح لديهم القدرة على تحقيق أهدافهم».

وأكد أن «ميزة هذه المجموعة، التي تفوق الأفراد، هي قوة الجميع الذين قاتلوا لتحقيق نفس الحلم الذي كان أيضاً حلم كل الأرجنتينيين... فعلناها!» وبعد حصوله على جائزة لاعب المباراة، كان من المتوقع أن يظهر ميسي في المؤتمر الصحافي بعد المباراة، ولكنه غاب عن الحضور، حيث تواصلت الاحتفالات مع الفريق. ومع ذلك تحدّث ميسي في الملعب عقب الفوز، وأكد أن رغبته في الاستمرار بتمثيل منتخب بلاده واضحة.

وقال ل «تي. واي. سي سبورتس»: «أستمتع بكوني في المنتخب الوطني، المجموعة، أريد الاستمرار في لعب بعض المباريات بصفتي بطلاً للعالم».