من منطلق تخصصي العلمي الدقيق في مجال دراسات المعلومات والسلوك المعلوماتي والثقافة المعلوماتية لطالما طرحت تساؤلاً على طلبتي في مراحلهم الجامعية المختلفة: قياسا بالتطورات التي صاحبت تكنولوجيا المعلومات في السنوات الماضية، ما توقعاتكم لما سيحدث بعد عشر سنوات أو أكثر من الآن في مجال تقنيات المعلومات؟ وما تأثير التطورات في تكنولوجيا المعلومات وأشكال التواصل الاجتماعي المتغيرة باستمرار على المجتمع؟ وأجد أن الأغلب يجد صعوبة في الإجابة عن هذا التساؤل، فقد يكون المستقبل خارج نطاق تصورهم، وعلى الرغم من أنهم يواجهون صعوبة في الإجابة فإنني أستشعر شغفهم بالفعل لمعرفة المستقبل قياسا بما هو حاصل الآن.
لا شك أن التغييرات الكثيرة التي حدثت في السنوات الماضية في مجال الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته قد جعلت الكثير من طلبة الجامعة في مراحلهم المختلفة يتساءلون عن مدى إمكانية الاستعانة بتلك التطبيقات في تحصيلهم الأكاديمي، ففي الواقع، لكل مرحلة من مراحل التطور في تكنولوجيا المعلومات أبعادها الخاصة، ومن خلال هذه المقالة أود التركيز على جوانب أخرى متعلقة بسلوك الطلبة خاصة أثناء المرحلة الجامعية، والتي تعتبر من أهم المراحل الانتقالية التي لها أثر كبير على المستقبل المهني للطالب والخريج، فمنذ بدء انتشار تطبيقات الذكاء الاصطناعي والطلبة يجدون الكثير من الحلول الجاهزة لحل الأسئلة أو أداء الفروض أو كتابة الأبحاث والواجبات، ويبقى السؤال: ما أبعاد الاعتماد على التطبيقات الذكية بل الفائقة الذكاء بمعنى أصح؟ تلك التطبيقات التي أصبحت بمنزلة السكرتير الفائق الذكاء الذي بإمكانه القيام بعدة مهام في آن واحد وفي ثوان قليلة، فيتمكن الشخص مثلا من الاستعانة بالتطبيقات الذكية لعمل جدول أسبوعي متكامل أو كتابة تقرير أو التجهيز لخطاب أو حل مسألة معينة، كل ذلك خلال فترة قياسية، هذا بالنسبة للطلبة، أما بالنسبة إلى الهيئة الأكاديمية فالأمر قد يكون أكثر تعقيدا.
فعلى الرغم من حقيقة أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي قد تكون عاملا مساعدا في توفير وقت وجهد الأستاذ الأكاديمي في تحضير بعض التقارير أو تجهيز قوالب معينة من الجداول أو الأسئلة، فإنها في الوقت نفسه تضع الأستاذ خاصة في مراحل الدراسات العليا في حيرة من أمره فيما يتعلق بكيفية تقييم الطلبة، وهل من الممكن الاعتماد على كتاباتهم في موضوع أو تقرير معين؟ كيف يمكن للأستاذ التأكد من أن الموضوع هو جهد الطالب الذاتي لا تجميع تم بواسطة تلك التطبيقات الذكية؟ وإذا كان الحل للتقييم الأمثل هو أن يقوم الطالب بالإجابة عن الأسئلة أو كتابة تقرير أو موضوع تحليلي خلال وقت المحاضرة، فكيف يمكن للأستاذ التأكد من أن الطالب قد اعتمد على قدراته الذاتية في التفكير النقدي، وأنه لم يستعن بالتطبيقات الذكية والفائقة الذكاء، خاصة إذا كانت أجهزة الحاسوب والاتصال بشبكة الإنترنت متوافرة له، لتلك الأسباب نجد أنفسنا كأكاديميين ملزمين بالعودة أحيانا إلى الكتابة النقدية والتحليلية كتابة يدوية خارج نطاق أي جهاز قد تتم الاستعانة به.
إذا كان الأستاذ الأكاديمي يملك الشغف الحقيقي والاهتمام بالسلوك المعلوماتي الأمثل للطلبة المشرف عليهم، فيجب عليه أن يبذل جهدا مضاعفا لتحفيز قدرات الطلبة في التفكير والتحليل النقدي وحثهم على القراءة المتعمقة والكتابة التحليلية، فالكثير من الطلبة، كغيرهم من فئات المجتمع، قد أصبح لديهم نوع من التعلق الشديد بالأجهزة الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات التي لا تحصى، حتى أن بعضهم يقضي معظم ساعات يومه في تتبع تلك البرامج والاعتماد عليها لإيجاد أسرع الحلول، وإن تطور تلك التطبيقات الذكية والفائقة الذكاء لن يتوقف بطبيعة الحال، لذلك يجب على الأكاديميين والأساتذة مواكبة تلك التطورات وبذل الجهد في التعرف على أفضل السبل للاستفادة منها بشكل ملائم. وبناء عليه فإن السلوك المعلوماتي ظاهرة بحاجة الى الدراسة بشكل مستمر لفهم تفاصيل تعامل فئات المجتمع المختلفة مع التطور فائق السرعة في مجال تكنولوجيا المعلومات، وإذا أردنا بالفعل مواجهة تحديات عصر الذكاء الاصطناعي فعلينا أن نواكب التطور وأن نجد أفضل السبل التي تسهم في تحقيق الفائدة من تلك التطبيقات، في الوقت نفسه الذي نعمل فيه جاهدين على صقل مهارات التفكير النقدي والتحليلي للطلبة في مختلف مراحل التعليم العالي، فكل ما هو متعلق بالوعي المعلوماتي والثقافة المعلوماتية يجب أن يتماشى مع التطورات السريعة في مجال المعلومات، فعلى سبيل المثال، لا بد أن تكون هناك بعض المواد المتخصصة في كيفية البحث عن المعلومات باستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وكيف يمكن للمستخدم أن يستفيد من إيجابيات تلك التطبيقات، مع الحذر من سلبيات الاعتماد عليها بشكل كبير.