بعد أربع محاولات فاشلة والكثير من التشكيك والانتقادات، تمكن ليونيل ميسي أخيراً من تحقيق حلم إحراز كأس العالم، والجلوس بالتالي عن يمين الراحل دييغو مارادونا، الذي كان آخر من يقود الأرجنتين إلى التتويج العالمي، وذلك بقيادة «ألبيسيليستي» للفوز على فرنسا بركلات الترجيح في نهائي سجل خلاله ثنائية (3 - 3 في الوقتين الأصلي والإضافي) اليوم في لوسيل.

والآن بعد هذا التتويج الذي طال انتظاره، والذي تحقق في مشاركته المونديالية الأخيرة، لا يمكن لأحد أن يشكك في مكانة ميسي كأحد عظماء اللعبة، وحتى قد يذهب كثر لاعتباره أفضل حتى من مارادونا أو الأسطورة البرازيلية بيليه الفائز باللقب العالمي ثلاث مرات.

Ad

في مشاركته الخامسة، أظهر ميسي شخصية مختلفة عن أيٍّ من مشاركاته السابقة بألوان المنتخب الأرجنتيني ولعب بأهدافه السبعة، آخرها حين افتتح التسجيل اليوم في المرمى الفرنسي قبل أن يعيد بلاده الى المقدمة 3 - 2 بعد التمديد، وتمريراته الحاسمة الثلاث، الدور الرئيسي في منح فريق المدرب ليونيل سكالوني فرصة تاريخية على استاد لوسيل، في مواجهة منتخب كان يحلم بأن يصبح أول من يحتفظ باللقب منذ برازيل بيليه عام 1962.

كأس وحيدة

كأس وحيدة كانت تنقصه ليصبح الأعظم. حلم ميسي بالتتويج وقيادة الأرجنتين للقبها الثالث بعد 1978 على أرضها و1986 في المكسيك الذي صبغه «الفتى الذهبي» بتحفته الكروية الشهيرة أمام انكلترا.

فاز ميسي بكل شيء سبع كرات ذهبية لأفضل لاعب في العالم، أربعة ألقاب في دوري أبطال أوروبا، جملة من الألقاب في الدوري الاسباني والفرنسي مع برشلونة ثم باريس سان جرمان الفرنسي، كما أضاف إلى سجله لقب كوبا أميركا الصيف الماضي، في أوّل تتويج قاري ل «راقصي التانغو» منذ عام 1993.

سجل ميسي مئات الأهداف وسحر عالم كرة القدم بمراوغاته وتمريراته وابتكاراته وسرعته. هو قائد المنتخب الأرجنتيني وأفضل هداف في تاريخه (98 هدفاً) والأكثر ارتداءً للقميص (172 مباراة دولية). غير أن المونديال عانده قبل أن يفك عقدته الأحد في لوسيل في مباراته ال 1025 دولياً وعلى صعيد الأندية (799 هدفاً).

لاعب خط الوسط الأرجنتيني أنخيل دي ماريا يحتفل بتسجيل الهدف الثاني

دي ماريا نجم المناسبات الكبرى

ممرّر رائع، هدّاف المناسبات الكبيرة وأفضل مساعد لليونيل ميسي في المنتخب الأرجنتيني لكرة القدم، رافق أنخل دي ماريا في مونديال قطر 2022 صاحب الرقم 10 في مشوار الفوز باللقب العالمي الثالث للألبيسيليستي وترك بصمة دامغة في النهائي.

لكن ابن مدينة روساريو الذي لم تكن مشاركته متوقعة في التشكيلة الأساسية، قام بأفضل من ذلك بكثير على استاد لوسيل: حصد ركلة جزاء ترجمها ميسي في الدقيقة 23، ثم أضاف الهدف الثاني بتسديدة أرضية في الدقيقة 36.

وبعد خروجه في الدقيقة 64، كادت الدنيا تنقلب على فريقه، اذ عادلت فرنسا 2 - 2، ثم 3 - 3 في الوقت الاضافي، قبل ان تنقذهم ركلات الترجيح 4 - 2 على وقع بكائه على مقاعد البدلاء.

في عام 2008، كان صاحب الهدف الوحيد في المباراة النهائية لأولمبياد بكين ضد نيجيريا، وبعد 15 عامًا تقريبًا، في عام 2021، سجّل مرة أخرى بتسديدة ساقطة بقدمه اليسرى ضد البرازيل في المباراة النهائية لكوبا أميركا ومنح بلاده اللقب الأول في المسابقة منذ عام 1993.

سواء التمريرات الحاسمة أو الأهداف، بالنسبة للمنتخب الأرجنتيني، قدّم دي ماريا (34 عامًا) كل شيء لبلاده.

في مسيرته الكروية مع الأندية، جال دي ماريا في جميع أنحاء القارة العجوز بقدمه اليسرى الساحرة، وأذنيه البارزتين، واحتفاله الشهير برسم قلب بأصابع يديه خلال تسجيله للأهداف.

دافع عن ألوان الأندية الكبيرة فقط. وصل في عام 2007 إلى بنفيكا البرتغالي، ثم انتقل إلى ريال مدريد الإسباني ومانشستر يونايتد الإنكليزي وباريس سان جرمان الفرنسي وحاليا مع يوفنتوس الإيطالي.

قبل أوروبا، تعلم كرة القدم في بلاده، في روساريو، مدينة مسقط رأسه والتي هي أيضًا مدينة ميسي.

في شوارع هذا الحي الشعبي في روساريو، ساعد الملاك الصغير الذي يتمتع بلياقة بدنية نحيفة أكسبته بالفعل لقب «فيديو» (الشعيرية)، والده ميغل في توصيل الفحم قبل أن يجد نفسه حول كرة قدم برفقة أصدقائه الذين ما زالوا كذلك حتى اليوم.

كان متميزاً كثيراً عن رفاقه، فرصده نادي روساريو سنترال، أحد أقوى ناديين في المدينة مع نيويلز أولد بويز، وكانت والدته ترافقه يومياً إلى الحصص التدريبية.

نقلته موهبته حتى الفريق الأول لروساريو سنترال، ثم إلى أوروبا والمنتخب حيث لعب 124 مباراة وسجل 27 هدفًا. ومع ذلك، تعرض دي ماريا في بعض الأحيان لانتقادات، كما حدث خلال كأس العالم 2010.

سمحت له فنياته ومهاراته بتسجيل الهدفين الشهيرين في مرمى نيجيريا والبرازيل، لكنها لم تساهم بمنح لقب عالمي للأرجنتين التي اكتفت ببلوغ المباراة النهائية فقط في عام 2014. ولكن مع دي ماريا وميسي في قمة مستواهما، قلب الألبيسيليستي الطاولة على الجميع في قطر.

ديدييه ديشامب مدرب منخب فرنسا

ديشامب «العتّال» كاد يفعلها

كان ديدييه ديشامب اليوم على ملعب لوسيل شمال الدوحة قاب قوسين أو أدنى من أن يدخل التاريخ، لكن ركلات «الحظ» الترجيحية أمام أرجنتين ليونيل ميسي (3 - 3 في الوقتين الأصلي والإضافي) حرمته من أن يصبح ثاني مدرب فقط في تاريخ كأس العالم يتوج باللقب مرتين.

قائدُ كتيبة اللقب الأول، مُهندس مسار الثاني، والعقلُ المدبّر لاستراتيجية رفع كأس ثالثة، كان ديشامب «العتّال» العتيق على أعتاب كتابة تاريخ جديد للكرة الفرنسية التي اعتادت في عهده الانتصارات.

تحوّل مشوار فرنسا في نهائيات كأس العالم هذه إلى انتصار لديشامب بالذات، إذ إنه بوصوله إلى النهائي للمرة الثانية توالياً، حقق فوزاً أول على أولئك الذين اعتبروا أنه بقي طويلاً في منصبه.

وبتبديلاته وبتألق الرائع كيليان مبابي الذي سجل الأهداف الثلاثة، نجح ديشامب في إعادة فريقه الى أجواء اللقاء بعدما كان متخلفاً صفر - 2 حتى الدقيقة 80.

فوزٌ على منتخب مغربي طموح في نصف النهائي، منحه بطاقة الوجود في النهائي، وفرصة أن يصبح مدرّب المنتخب الأول منذ 60 عاماً الذي ينجح في الدفاع عن لقبه، لكن ميسي ورفاقه حرموه من هذا الإنجاز وأن يكون أيضاً أول مدرب يفوز باللقب مرتين منذ المدرّب الإيطالي الداهية فيتوريو بوتسو في الثلاثينيات.

وبات «العتّال» أو «حامل المياه» كما استخف به يوماً مواطنه النجم السابق إريك كانتونا، صاحب دور محوريّ في مركز لاعب الوسط الدفاعي مع «الديوك» وقدرة على الانسيابية في نقل الكرة لبناء الهجمات، وبعد أن اصبح مدربا للمنتخب سيّد قراره بالبقاء في منصبه الذي يشغله منذ عشرة أعوام، أو الرحيل بعد البطولة.

وعُيِّن ديشامب مدرباً للمنتخب على أنقاض فشل مونديال جنوب إفريقيا 2010 وبعد الاستغناء عن خدمات لوران بلان الذي أمضى عامين مع «الديوك»، فقاده إلى قمة الكرة المستديرة بالتكريس العالمي الثاني في مونديال روسيا 2018، عقب خسارة نهائي كأس أمم أوروبا 2016 على أرضه أمام البرتغال صفر - 1.

ليونيل سكالوني مدرب الأرجنتين

سكالوني ينضم إلى نادي العظماء

انضم ليونيل سكالوني إلى نادي عظماء مدربي الأرجنتين، إلى جانب مواطنيه الفائزين السابقين بلقب كأس العالم سيسار لويس مينوتي وكارلوس بيلاردو، وذلك بعد تتويج «ألبيسيليستي» بلقب مونديال قطر 2022 بالفوز على فرنسا بطلة 2018 في نهائي الأحد على ملعب لوسيل بركلات الترجيح في مباراة مجنونة انتهى وقتها الأصلي بالتعادل 2-2، ثم شوطاها الإضافيان بتعادلهما 3-3.

وبعدما بدأ اللقاء كأصغر مدرب يخوض نهائي كأس العالم منذ الألماني رودي فولر عام 2002 (42 عاماً)، بات سكالوني عن 44 عاماً أصغر مدرب يرفع الكأس الغالية منذ مواطنه مينوتي عام 1978 (39 عاماً).

وصل سكالوني بداية إلى تسلم المهام مؤقتًا في عام 2018 خلفًا لخورخي سامباولي، وها هو يقود الأرجنتين الى لقبها الأول منذ 1986 والثالث في تاريخها.

ولا يمكن للتناقض بين سامباولي الانفعالي وسكالوني الهادئ الذي كان ضمن الجهاز الفني للمنتخب في روسيا 2018، أن يكون أكثر وضوحًا. وقد قوبل تعيينه بعد خروج «ألبيسيليستي» من الدور ثمن النهائي أمام فرنسا بالذات (3-4) بانتقادات ورفض واسع النطاق من أولئك الذين شعروا أنه يفتقر إلى المؤهلات اللازمة.

لم يكن لدى سكالوني خبرة سابقة كمدرب رئيسي، وكان من المفترض أن يتولّى المسؤولية مدة شهرين فقط ريثما يبحث الاتحاد عن خليفة لسامباولي.

ورث منتخبًا عانى سلسلة خيبات، أبرزها خسارة نهائي مونديال 2014 أمام ألمانيا ونهائي كوبا أميركا أمام تشيلي بركلات الترجيح في 2015 و2016، ما أدى الى إعلان ليونيل ميسي اعتزاله الدولي قبل العودة عن قراره بعد شهرين.

شكّل المدرب الأرجنتيني قوام الفريق كما يريد، إذ إن 19 من أصل 26 لاعبًا في قطر خاضوا نهائيات كأس العالم للمرة الأولى في مسيرتهم.

وقال خورخي بوروتشاغا الذي سجل هدف الفوز (3-2 على ألمانيا الغربية) في نهائي كأس العالم 1986، لوكالة فرانس برس: «لقد ساعد في اكتشاف لاعبين مثل (ناهويل) مولينا، كريستيان روميرو، ليساندرو مارتينيس و(أليكسيس) ماك أليستر، الذين أعطوا الفريق هوية، وفوق كل شيء، أعطى ليو (ميسي) خيارات لعب لم تكن متاحة له في المونديال الماضي».

حارس مرمى الأرجنتين إيميليانو مارتينيز يحتفل بالهدف الافتتاحي الذي سجله ليونيل ميسي

إيميليانو: هذا ما حلمت به

أكد الأرجنتيني الحارس إيميليانو مارتينيز باكيًا صعوبة المباراة بدرجة كبيرة، لافتاً إلى معاناة التانغو للحصول على اللقب.

وقال: «كان علينا ان نعاني ونصل الى ركلات الترجيح... سجلنا الهدف الثالث ثم حصلوا على ركلة جزاء وسجلوا، وكان من الممكن أن يضيفوا الرابع».

«هذا ما حلمت به. حلمت كثيرًا بهذه البطولة... لا كلام لأصف ما أشعر به. غادرت بلدي باكرا الى إنكلترا. أهدي اللقب الى عائلتي واطفالي. أعتقد انني خرجت من مكان متواضع وانا شاب وأريد ان اهدي ذلك لوالدتي».

وعن كيفية تعامله مع ركلات الترجيح «يجب ان اتعامل بهدوء. وأيضًا الفضل يعود لزملائي وكنت قادًرا على صد الركلة الأولى (التي سجلها كليان مبابي).

لاوتارو: أهدي اللقب إلى والدتي

قال المهاجم لاوتارو مارتينيس: «لا اعرف ماذا اقول... انظر الى هذا (الاجواء)، أشكر الجميع والشعب الارجنتيني وعائلتي وال26 لاعبًا ومن بقوا في الخارج والطاقم والاتحاد وكل شخص كان معنا».

وأضاف: «أهدي اللقب الى كل الاشخاص الذين ذكرتهم وإلى عائلتي التي في المدرجات ووالدتي في البيت وتشاهد المباراة من كل قلبها وجدتي التي لا تمر بأفضل اللحظات، آمل ان يمنحها (هذا اللقب) المزيد من القوة».

وبدوره، قال غابريال باتيستوتا، المهاجم الدولي الارجنتيني السابق: «أنا سعيد جدًا لميسي، للارجنتين وللبلد بأكمله...لست قادرًا على الكلام. الجميع أراد الفوز للارجنتين... اعذروني (لأنني أبكي) ولكن انتظرنا طويلا من أجل هذا اللقب. ميسي استحق ذلك، لكل ما قدمه على مدى 20 عامًا في كرة القدم».