قرأت تصريحاً نشرته صحيفة إلكترونية رخيصة ومرخصة منسوباً إلى مدرب فريق أوروبي بأن أحد لاعبي فريقه قام بأشياء «قذرة» في المباراة الأخيرة! استغرابي كان لأنني شاهدت المباراة كلها، والتي تألق فيها هذا اللاعب تحديداً، وكان سبب قلب نتيجة المباراة من الخسارة إلى الفوز، ولم يرافق أداءه أي سلوك شائن أو حصوله على بطاقة صفراء مثلاً، بقليل من البحث وصلت إلى التصريح الصحافي الأصلي للمدرب، والذي قال فيه وبكل إعجاب إن اللاعب قام بكل الـDirty work في المباراة، وهو تعبير إنكليزي يدل على تحمل المسؤولية بشكل كبير، واستيفاء العمل الشاق للوصول إلى الهدف المطلوب! يتضح أن الصحيفة «المرخّصة من الإعلام» ليس فيها كوادر مؤهلة للتحرير أو الترجمة أو أي فعل مرتبط بالإعلام الحقيقي، لذلك كان أسهل شيء عليها استخدام أسلوب النسخ واللصق Copy & Paste في تعبئة منصاتها فارغة المضمون.
أحالتني هذه الترجمة الرديئة إلى تسمية الأشياء بعكس مضمونها، مثل تعبير «غسيل المخ»، الذي ارتبط كثيراً بالإرهابيين حاملي الأفكار الإقصائية والعدائية تجاه الآخرين، لا يمكنني قبول هذه التسمية حتى وإن كانت ترجمة حرفية لمصطلح Brainwashing، لأن الغسل فعل يستهدف النظافة، وفي التطرف وتهميش العقل يكون المخ أقرب للاتساخ منه إلى النظافة، قد يكون مسحاً للمخ ولكنه بالطبع ليس غسلاً له، كذلك الحال في «غسيل الأموال»، سواء تم اكتشاف الجريمة أو لم يتم، فهي تظل أموالاً متسخة، أما تنظيفها فهو مجرد سعي البعض لذلك، تعليق ذكي آخر قرأته تعقيباً على وصف فعل ما بأنه «يرتقي» لفعل الخيانة، والأصح أنه انحدار وليس ارتقاء! كذلك الحال مع الكثير من «تغريدات» تويتر المستمدة من معنى الكلمة بالإنكليزي «المغرّد»، حتى وإن كان المحتوى أبعد ما يكون عن زقزقة العصافير الجميلة، وأقرب إلى مشتق آخر لا يمت للجمال بصلة، تحيةً لإيلون ماسك على تغيير اسم المنصة من «Twitter-المغرد» إلى X الأقرب إلى المصداقية.
تطهير عرقي Ethnic cleansing، نموذج آخر لمصطلح لا يُعبّر عن مضمونه، فالطهارة في اللغة تدل على النظافة والنقاء والنزاهة، في حين أنه في هذا السياق/ المصطلح يَرمز لأحد أشد الأعمال البشرية بشاعة ودناءة ونجاسة بقتل واضطهاد فئة بجريرة انتمائهم جينياً إلى فئة مختلفة ليكونوا ضحايا أفعال لم يقوموا بها، لِمَ لا نعيد النظر في هذه التسمية لنطلق عليها تنجيس عرقي؟ لنكون أكثر وضوحاً مع هذا الشر للتعريف به والتحذير منه في كل مستوياته الأخلاقية في حقبة نشهد فيها تصاعد الكراهية المغلفة بعناوين برّاقة لتجمل حقيقتها البشعة التي لوّثت الكثير من صفحات تاريخنا البشري، ولا يزال اللعب القذر جارياً ولكن بمعناه العربي لا الإنكليزي!