فيلم «الإرهاب والكباب» (1992)، بطولة عادل إمام ويسرا وكمال الشناوي وغيرهم، تدور قصته حول مواطن مصري «غلبان» يتوجه إلى مجمع التحرير في القاهرة لنقل طفليه من مدرسة إلى أخرى، لكنه يفاجأ بأن الموظف المختص غير موجود في مكتبه كعادة الموظفين العرب، ليدور هذا الغلبان في دوامة البيروقراطية والبحث عن حل لأيام عدة دون جدوى، حينها يفقد أعصابه بسبب تعطيل مصالحه وازدحام المكان الخانق، ومع توالي أحداث الفيلم يتدخل أمن المجمع لحل الإشكال، وفجأة يجد هذا المراجع نفسه وقد حمل سلاح أحد رجال الأمن بين أكداس المراجعين، الذين ظنوا أنهم رهائن لهذا الإرهابي، الذي يحاول جاهداً أن يشرح وجهة نظره لهؤلاء المرعوبين، وأنه ليس إرهابياً، فينضم إليه في مطالبه بعض المراجعين.
وتصل أنباء «احتلال» مجمع التحرير إلى قوات الشرطة التي تحاصر المكان قبل وصول وزير الداخلية ليتفاوض مع الإرهابيين، لكنه يكتشف أن مطالب الإرهابيين محصورة بهمومهم اليومية، وليست سياسية، فيهددهم بضرورة إطلاق الرهائن حتى لا يقتحم المكان بالقوة، هنا يطلب المواطن «الغلبان» ممن بقي معه من الرهائن «المراجعين» مغادرة المكان، فيرفضون الخروج إلا إذا خرج معهم وكأنه أحد الرهائن لأن مطلبه لم يكن يختلف عن مطالبهم المتمثلة في البحث عن وطن آمن عادل.
كل أحداث فيلم «الإرهاب والكباب» تحدث يومياً بمجمع التحرير الذي بُني منذ عهد الملكية، ويتكون من 14 دوراً ويحتضن أكثر من 9 آلاف موظف لإدارة مختلف الإدارات الحكومية الخدمية ولإنهاء معاملات عشرات الآلاف من المراجعين المصريين، هذا الوضع لا بد أن يخلق اختناقا بشريا في مكان ضيق لا يتحمل مراجعة يومية لغالبية سكان القاهرة الراغبين في إنهاء معاملات لا تنجز إلا بوجود البيروقراطية الإدارية القاتلة، وهي المشكلة ذاتها الموروثة من الأشقاء المصريين المتمثل في بناء مجمع الوزارات داخل مدينة الكويت، ولما تزايدت شكاوى المواطنين، قامت الحكومة ببناء مبان جديدة في جنوب السرة لتحتضن وزارات الدولة وهيئاتها الحكومية، وكأننا نقلنا مشكلة مجمع الوزارات من مدينة الكويت إلى الدائري السادس، كما يستخدم بعض الأطباء المسكنات لتأجيل علاج المشكلة.
هذه البيروقراطية ذكرتني بنهاية العام 1981، عندما كنت أجهز لمغادرة الكويت للحصول على الدكتوراه في الولايات المتحدة الأميركية، وكان ضرورياً استخراج وترجمة وثائق رسمية تخصني وأسرتي لاستخدامها في الخارج، وكانت إحدى هذه الوثائق استخراج شهادة لمن يهمه الأمر من وزارة التربية تثبت أن ابني في الصف الثاني الابتدائي بمدرسة بدر السيد رجب الرفاعي في منطقة جنوب الخالدية (اليرموك حالياً)، حيث استخرجت شهادة وقع عليها الناظر والوكيل ومشرف الجناح، وقدمتها لوزارة التربية فوقع عليها مديرو إدارات ومراقبون ورؤساء أقسام فامتلأت عن آخرها بتواقيع وأختام لعشرات الأشخاص، وكأن ابني لن يقبل بأي مدرسة إذا لم يوقع كل هؤلاء على شهادة لمن يهمه الأمر تخص تلميذاً في الابتدائية لتقديمها لأجانب لا يعرفون شيئاً عن الكويت ولا عن موقعها.
تسلمت الشهادة من وزارة التربية وترجمتها إلى الإنكليزية وصدقتها من الخارجية الكويتية والسفارة الأميركية، وفي اليوم التالي من وصولنا إلى أميركا توجهت إلى مدرسة ابتدائية لألحق ابني بها، وقابلت مدير المدرسة وأخبرته برغبتي، فسجل على ورقة اسم ابني حسب جواز السفر وأنه في السنة الثانية الابتدائية، ثم وضع القلم وهو يقول: أحضره غداً ليبدأ معنا يومه الأول، فسألته عما إذا كان يريد أي أوراق رسمية، كتلك الشهادة لإثبات البيانات التي أعطيتها له، فسألني: ألست أنت والده؟ فأجبته بالإيجاب، فقال وهو يضحك: أحضره غداً.
أليس هذا الروتين وهذه التعقيدات البيروقراطية وجيش الموظفين، الذي غالباً ما يفوق عدد المراجعين، هو شكل من أشكال الإرهاب والإذلال؟