الخوف أحد المشاعر الإنسانية الرئيسة، بل يمتد إلى سائر المخلوقات، فكل الكائنات الحية تخاف وتهرب مما يخيفها وتبحث عن الأمان، وأسبابه متنوعة، بعضها واضح وحقيقي وبعضها مجرد وهم، يتأثر الجسم بحالة الخوف ويتجاوب بطريقة خاصة، تُفرز هرمونات معينة أثناء الشعور بالخوف ترافقها تغيرات على مستوى الحس والإدراك، تخزن في الذاكرة ويمكن استرجاعها، أو ربطها بأمور مشابهة، مما يؤثر على تفكير الفرد وتحليله للمواقف وردود أفعاله.
وهناك خوف «محمود» في الحالات التي تستدعي أن يحفظ المرء حياته أو يجتهد لئلا يخسر ويفشل، وهنا يتعلق الخوف بأسباب منطقية ويتمكن الإنسان من توجيهه، فقد يثار الخوف في الأمور المفاجئة أو المصيرية، فيكون رد الفعل في الأولى غريزيا كأن تهرب من حيوان مفترس، والثاني ينال حيزاً من التفكير ويشغل الذهن ويطول ويمتد أعواماً من عمر الفرد!
وهناك فرق بين الخوف والمخاوف، فالخوف طبيعي ويعد دافعا لتحقيق المنفعة، وأسبابه فعلية، أما المخاوف فأسبابها ضبابية ومعظمها تكهنات، وهي منتشرة وتتعدد صورها، وتكمن المشكلة في عدم التصرف بشأنها، وتبريرها! والمخاوف تتطلب علاجا، وعلاجها متاح وسهل، يبدأ بالإرشاد والوعي وتقبلهما، والحرص على التخلص من هذه المخاوف المرضية وأخذ الأمور بمنطقية. نعلم أن المخاوف قد ترتبط بخبرات مؤلمة، لكن بعض الناس يعلق بالماضي ويكرر روايات يضخم فيها الموقف، ويصفها بالصدمة ويزيد التهويل! المخاوف عبارة عن مزيج قبيح من ذكرى مزعجة، ومفاهيم مشوهة، وفزع مبالغ، ومقاومة سلبية للتغيير والتحسين!
هنا يكون الخوف مخيفا! فالاستسلام له يحرم الإنسان من التقدم في حياته، ويفوت عليه الفرص، ويجعله ينسحب من أنشطة وتفاعلات جميلة، ويسلبه التجربة، ويعكر أيامه، فيجد نفسه واقفا جامدا والعالم يدور من حوله! ولعل أشهر المخاوف (الخوف من الحيوانات الأليفة) الذي يكشف عن خلل في توافق الشخصية، وفق التحليل النفسي، ثم نجد من يتخوف من الارتباط، ليجعل علاقاته عابرة قاصرة، ويهرب من الاندماج والمسؤوليات، وكأنه يرى نفسه أقل قدرا من أن يمنح المشاعر الصادقة، وهو محبط ولا يتوقع الإخلاص!
على الإنسان أن يراجع نفسه ويتفهم احتياجاته ويحدد مطالبه ويبذل لأجلها، ويتخذ القرارات ويتحمل العواقب، وأن يواجه الحياة بنضج واتزان ورفق، باعتصامه بالله ورجاء التوفيق، بقصد الخير وترقب السعادة.