سجل سعر برميل النفط الكويتي، الأسبوع الجاري، أول انخفاض خلال السنة المالية الحالية مقابل سعر التعادل المقدّر في ميزانية الكويت 2022/ 2023.

فحسب إعلان مؤسسة البترول الكويتية، بلغ سعر برميل النفط الكويتي 78.7 دولارا في تداولات يوم الثلاثاء الماضي، إذ يقل عن سعر التعادل المقدّر في الميزانية بـ 80 دولارا للبرميل بـ 1.62 بالمئة، لكنّه يقل عن متوسط سعر البرميل الكويتي من «أبريل الى نوفمبر الماضي»، البالغ 105 دولارات للبرميل بـ 25 بالمئة، وهذا يعني أن الكويت التي سجلت خلال 8 أشهر من السنة المالية الحالية إيرادات بـ 22.3 مليار دينار، بما يعادل فوائض بنحو 7 مليارات دينار، ستسجل وفقاً لفرضية استمرار العوامل الحالية؛ عجوزات في الـ 4 أشهر الأخيرة من السنة المالية، ولا يمكن تحديد قيمتها، مع الأخذ بعين الاعتبار توقّع تحقيق مليارَي دينار عوائد غير نفطية في الميزانية.

الأرقام أعلاه قد تتغير وفقا لتطورات سوق النفط، وما يرتبط به من أحداث لا علاقة لنا بالتحكم في مجرياتها؛ كتطورات الحرب الروسية - الأوكرانية، وتداعياتها على خطوط امداد الطاقة، أو أثر سياسات الصين تجاه إغلاقات «كوفيد» على طلب الطاقة العالمي، أو قدراتنا على التحكم بها ضئيلة؛ كتحديد سياسات حجم الإنتاج من ضمن مجموعة أوبك بلس، لكن ما يعنينا في الحقيقة هو ما يمكننا التحكم فيه، والمقصود هنا مصروفات إيرادات النفط العالية والاستثنائية، التي اقتربت خلال 8 أشهر من تسجيل كامل الإيرادات المتوقعة للسنة المالية الحالية البالغة 23.4 مليارا.
Ad


دروس... بلا استفادة

وفي الحقيقة، فإن تسجيل اقتراب الكويت من أول فائض مالي في ميزانيتها منذ 8 سنوات كان مدعاة لعودة انفلات السياسات المالية الشعبوية من السلطتين التنفيذية والتشريعية، فعادت مجددا الى الواجهة البرلمانية مقترحات إسقاط القروض، مع مقترحات الزيادات المالية كبدل الإيجار وعلاوات الأبناء، بالتوازي مع انهماك الحكومة بإجراءات صرف قيمة «الصفوف الأمامية» وبيع الإجازات، والتي لم تتحدد في قيمتهما الإجمالية، في صورة تعبّر عن عدم الاستفادة من دروس العجز المتراكمة خلال السنوات الماضية، والتي عانت المالية العامة في البلاد خلالها أزمة سيولة خانقة، وصلت الى محاول «تدبير» مصروفات الرواتب شهرا بشهر!

المرض الكويتي

وعدم الاستفادة من دروس العجوزات المالية هو أحد أعراض المرض الكويتي (مقاربة مع مصطلح المرض الهولندي)، ويتمثّل في ترجمة الى ارتفاع في أسعار النفط الى مصروفات مرهقة للمالية العامة، يضاف الى إرهاقها المتراكم في تعاظم بالإنفاق الجاري أو الاستهلاكي، بلوغاً إلى 75 بالمئة من إجمالي المصروفات البالغة 23.4 مليارا، توجّه نحو بنود الرواتب والدعوم، بلا قدرة على تحسين أوضاع سوق العمل، أو بذل أدنى جهد لإعادة توجيه الدعوم لمستحقيها، وفصل الموجه للأفراد عن المقدّم للشركات، بل إنه حتى المصروفات البالغة 2.93 مليار على المشاريع والمناقصات لا يُعرف على وجه التحديد مدى انعكاسها على تنويع الاقتصاد أو تحسين واقع العمالة الوطنية في سوق العمل! هذا فضلا عن تكرار سنوي لمصروفات غامضة وبنود سريّة، وهدر يسهُل ترشيده في ميزانية الدولة، إلى جانب انعدام القدرة على وضع سقف محدد للمصروفات، خصوصاً عندما تتعاظم إيرادات النفط، فترتفع الرغبة في الإنفاق بلا عائد استثماري.

تعميق الضرر

واحدة من أهم مشاكل الكويت الاقتصادية أنها لا تنظر إلى أي بحبوحة مالية ناتجة عن ارتفاع أسعار النفط كفرصة لتعميق الأضرار في هيكل الاقتصاد على المدى الطويل لا لإصلاحه، كما حدث في الماضي البعيد، عبر استخدام الأموال المتأتية من واردات النفط في عمليات التثمين غير المنضبطة، إلى الماضي القريب في استخدام أموال الفوائض النفطية في تخريب هياكل الرواتب، عبر الكوادر والزيادات غير المدروسة، حتى تضاعف إنفاق البلاد خلال 20 عاما من 3.1 مليارات دينار الى 23.4 ملياراً لميزانية العام الحالي، بالتزامن مع تنامي الهدر في المصروفات العامة، والتساهل مع المطالبات الشعبوية، والتساهل أيضا في ملفات الفساد، والإخفاق في تنفيذ المشاريع، والأكثر سوءا من ذلك كله استخدام الأموال في تغطية عورات سوء الإدارة وعقد الصفقات السياسية.

لا معالجات

في الحقيقة، فإنّ عودة مخاطر تسجيل عجز مالي حسب تجارب السنوات السابقة لا يبشر - مثله مثل سنوات الفوائض - بكثير من التوقع لمعالجات جذرية ولواقع المالية العامة، فعلى الأغلب ستنحصر الحلول بين اقتراض سيادي بلا خطة إصلاح اقتصادي، أو تجميد استقطاع 10 في المئة الى حساب احتياطي الأجيال القادمة، أو العمل على تحميل المجتمع مسؤولية الإخفاق الاقتصادي والمالي خلال فترات ارتفاع أسعار النفط، كتقنين فاتورة الرعاية الاجتماعية عن الطبقة المتوسطة، أو تقليص دعوماتها، وغير ذلك من المقترحات.

تحولات وآثار

إن تسجيل عجز أو فائض في الميزانية نتيجة تحولات سريعة في أسعار النفط هو تعبير عن فشل الإدارة العامة في خلق أي مستوى ولو قصير المدى من مقاومة التقلبات في أسواق النفط، وهو أمر يضعنا أمام تساؤلات حول مدى قدرتنا على التعامل مع تحديات هي الأخرى لا قدرة لدينا على التحكم بمجرياتها، تواجه عالم الطاقة التقليدية كآثار سياسات المناخ أو الطاقة البديلة، أو حتى انخفاض الطلب على النفط، مع تنامي توقّعات الركود العالمي.