في عالم اليوم، بينما تحقق بعض الدول نموًا اقتصاديًا غير مسبوق، فإن فوائد هذا النمو ليست موزعة بشكل عادل على المجتمع.
الفجوة المتزايدة بين طبقة الأثرياء وبقية السكان هي أكثر من مجرد إحصائية، إنها قضية ملحة تهدد الاستقرار الاجتماعي والاستدامة الاقتصادية.
ومع مكانتها كإحدى أغنى دول العالم، تقدم الكويت منظورًا فريدًا لهذه التحديات العالمية.
تكشف الدراسات الحديثة عن حجم التفاوت في توزيع الثروة على مستوى العالم.
أشار تقرير أوكسفام «البقاء للأغنى» لعام 2023 إلى أن 1% من سكان العالم الأكثر ثراءً يملكون ثروة تفوق ما يملكه 99% من السكان مجتمعين.
وحذر الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل، جوزيف ستيغليتز، من هذه الظاهرة، قائلاً: «كلما زادت الفجوة بين الأغنياء والفقراء في المجتمع، أصبح من الصعب على الطبقات الدنيا تحقيق النجاح».
يشير ستيغليتز إلى أن هذا التفاوت لا يتعلق فقط بالإنجاز الشخصي أو الطموح، بل هو نتيجة سياسات ونماذج غالبًا ما تميل تفضيليا للأغنياء.
تعتبر الكويت مثالًا رئيسيًا على هذا الديناميكة، معروفة بثرواتها النفطية ومستواها الاقتصادي المرتفع، حيث تتواجد طبقة صغيرة من الأثرياء، بينما يواجه الكثيرون تحديات اقتصادية، مصدر دخلهم الأول الراتب الحكومي والمعونات والدعم المقدم منها.
وتوضح احصائيات قاعدة بيانات (عدم المساواة العالمية) أن أغنى 10% من المجتمع الكويتي يسيطرون على جزء كبير من ثروة البلاد.
وهذا التفاوت يثير تساؤلات حول من يستفيد حقًا من موارد الكويت وكيف يمكن توزيع الثروة بشكل أكثر إنصافًا بين المواطنين، من حيث تكافؤ الفرص للحصول على رأس المال لتحسين مستوى الدخل الفردي.
وقد أشار الكاتب توماس بيكيتي في كتابه المؤثر رأس المال في القرن الحادي والعشرين إلى أن «عدم المساواة الاقتصادية ليس نتيجة فقط للجهد الفردي أو الكفاءة، بل غالبًا ما يكون مؤسسيًا من خلال سياسات تفضل رأس المال على العمل».
لقد خلقت ثروة الكويت فرصًا، ولكن مثل العديد من الدول الغنية بالموارد، لا تكون هذه الفرص متاحة للجميع.
لا يؤثر هذا التفاوت فقط على الأوضاع المادية للأفراد، بل يمتد تأثيره ليشمل جميع جوانب الحياة.
فالوصول إلى الرعاية الصحية، والتعليم الجيد، وفرص العمل، يتأثر بالحالة الاقتصادية.
وقد شدد باحثون اجتماعيون مثل ريتشارد ويلكنسون على أن «المجتمعات التي تعاني من مستويات عالية من عدم المساواة تميل إلى أن يكون لديها مشاكل اجتماعية أكثر». في عمله «مستوى الروح»، يشرح ويلكنسون كيف أن الانقسام بين الأغنياء والفقراء يؤدي إلى تآكل الثقة الاجتماعية ويضر بتماسك المجتمع، مما يجعل الجميع في وضع أسوأ على المدى البعيد.
لقد اتخذت الكويت خطوات ملموسة لمعالجة هذه القضايا، في توفر البرامج الاجتماعية ذات الصلة والدعم المالي للأسر ذات الدخل المنخفض سبلًا لمواجهة تكاليف المعيشة.
ومع ذلك، قد لا تكون هذه الإجراءات كافية.
يدعو المدافعون عن الإصلاح الاقتصادي في الكويت إلى اقتصاد أقوى وأكثر تنوعًا لا يعتمد بشكل كبير على النفط، ويتيح فرصًا أكثر تساويًا وقاعدة أفضل للازدهار المستدام.
فالمحافظة على الطبقة الوسطى، وهي العمود الفقري لاي اقتصاد، مهمة جدا لتحقيق الاستدامة والرفاه وتقليص الفجوة الطبقية.
تتجاوز الحاجة إلى هذا التغيير حدود الكويت.
فقد أكدت منتديات الاقتصاد العالمية مرارًا وتكرارًا على أن تقليل عدم المساواة أمر ضروري ليس فقط للاستقرار الاجتماعي، بل للصحة الاقتصادية أيضًا.
وكما لاحظ ستيغليتز، «عدم المساواة الاقتصادية ليس فقط خطأً أخلاقيًا، بل هو أيضًا غير فعال اقتصاديًا».
تبدأ الحلول الممكنة مثل الضرائب التصاعدية على الشركات الكبرى، والوصول الشامل إلى التعليم والرعاية الصحية، وخلق فرص عمل شاملة بخطوات أساسية نحو تضييق الفجوة.
إن الكويت والعالم يواجهان لحظة حاسمة.
إن تحديات تفاوت الثروة واضحة، لكن الفوائد من معالجة هذه التحديات لا تقل وضوحًا.
يعد التوزيع العادل للموارد والفرص بمستقبل أكثر إشراقًا واستقرارًا، ليس فقط للبعض، بل للجميع.