عندما يخرج قائد إلى العلن مجاهراً أن أقصى أمنياته أن يلقى ربه شهيدا بسلاح عدوه فإنها كلمة هو قائلها والله أعلم بالنوايا، ووقتما تتحقق أمنيته ويلقى ربه شهيداً بسلاح عدوه يمكننا الاعتقاد بصدق تلك النوايا، وحينما ينشر العدو آخر مشاهده حياً خرقا لكل الأعراف والقواعد العسكرية في مثل حالة الشهيد يحيى السنوار، ويرى العالم كله لحظات استشهاده كما رأى تعهده فإنه فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده ممن صدقوا ما عاهدوا الله عليه.

وفي المقابل حينما تخطئ السهام راميها، وتكون قيادات العدو التي استباحت الدماء ودنست المقدسات في مأمن من تلك السهام ولو وصلت إلى بيوتهم، فليس بالضرورة أن يكون ذلك دليل حفظ الله لهم، لأنه بالاستناد إلى سوابق تاريخية قد يكونون ممن لا يريد الله أن يجعل لهم حظا في الآخرة، فتُهيأ لهم الدنيا لينالوا نصيبهم كاملا فيها، وكل ذلك يمثل وجهات نظر مختلفة يميز الصواب والخطأ منها البصيرة التي آتاها الله لكل فرد منا، والتي إن أحسن تفعيلها فإنها ستهديه إلى مؤشرات التمييز بين الحق والباطل.

ومن الأمور ذات الصلة بهذا السياق، الاعتقاد الخطأ لدى بعضهم بأن الأفكار المترسخة تنهار بموت صاحبها، أو قائد المجموعة التي تتبناها، فلو كان هذا الاعتقاد صحيحا لماتت رسالة خاتم الأنبياء، عليه الصلاة والسلام، بموته، ولكنها في واقع الأمر زادت انتشارا من بعده وانطلقت إلى آفاق جديدة، وملأ صخبها جنبات الكون كله، وكذلك كل فكرة صائبة يؤمن بها أصحابها، ومنها على سبيل المثال فكرة الكفاح ضد نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، فبرغم رحيل عرابها نلسون مانديلا منذ سنوات إلا أنه يظل رمزا عالميا لمناهضة العنصرية ومقاومة الظلم.

Ad

ولذلك فإن تحرير الأرض أو المقدسات من المحتل الغاصب معتقد ليس له قائد، إذ تمثل الفكرة ذاتها القيادة العليا التي تستقطب مجاميع المؤمنين بها، ومن يقود هذه المجاميع يكون محكوما بقاعدة عامة إذا خالفها أو حاد عنها تلفظه المجموعة وتولي غيره، ولو مات القائد أو كل أفراد تلك المجاميع، فستخرج مجاميع آخرى تستكمل المسيرة إلى أن تفنى الأجيال عن بكرة أبيها أو يتحقق لها النصر.