يشهد العالم بين فترة وأخرى تغيُّرات تكنولوجية لها تأثيرات جوهرية على كل النواحي الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والبيئية، والسياسية، وعلى العلاقات مع مختلف ذوي المصلحة Stakeholders.

ويُشار إلى هذه التغيُّرات التكنولوجية بموجات كوندراتيف Kondratiev Waves (الذي لفت إلى هذه الموجات في كتابه المعنون: الموجات الطويلة في الحياة الاقتصادية Long Waves in Economic Life، عام 1926).

وقد كرَّم الاقتصادي الأميركي الشهير جوزيف شومبيتر J. Schumpeter كوندراتيف، بأن أطلق اسمه على هذه الموجات عام 1939.

Ad

وتُعد موجة الذكاء الاصطناعي من أواخر موجات التغيُّر التكنولوجي.

ويعرَّف هذا الذكاء على أنه حقل متقدِّم من علوم الحاسب الآلي يشمل مجموعة واسعة من التكنولوجيات التي تُمكِّن الأجهزة من تقليد قدرات الذكاء البشري.

وتطوَّر هذا الذكاء، مؤخراً، ليأخذ مفهوم الذكاء الاصطناعي التوليدي Generative AI، الذكاء فيما بعد، ويعرَّف على أنه استخدام الذكاء الاصطناعي لإيجاد محتوى Content جديد، مثل: نصوص، وصور، وأنواع الموسيقى، وفيديوهات، وصوتيات.

ووفق التقديرات المتداولة، فإن موجة الذكاء يمكن أن تضيف للناتج المحلي الإجمالي العالمي، بحلول عام 2030، حوالي 13 تريليون دولار.

ويقيس الرقم القياسي لمدى الجاهزية للذكاء، لعام 2023، الذي يصدر من Oxford Insight، أداء عدد من الدول في هذا المجال، بالاعتماد على عشرة عوامل: هل للحكومة رؤية حول الذكاء، والحوكمة والإطار الأخلاقي، والطاقة الرقمية، والتكيُّف، والنضج التكنولوجي، ورأس المال البشري، والبنية الأساسية، ورأس المال البشري، وتوافر البيانات، ومدى تمثيل البيانات لكل السكان؟

وتتراوح قيمة الرقم بين 0 – 100، وكلما ارتفع الرقم دلَّ ذلك على مرتبة أفضل، والعكس صحيح.

وضمن 132 بلداً، عالمياً، وصلت القيمة لدولة الكويت 49.9، الأقل مرتبة ضمن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية (الإمارات 70.42، والسعودية 67.04، وقطر 63.59، وعمان 58.94، والبحرين 56.13)، علماً بأن الإمارات نشرت استراتيجيتها الخاصة بالذكاء عام 2017، وأعلنت قطر استراتيجيتها الوطنية للذكاء عام 2019، والسعودية عام 2020، وأنشأت سلطنة عمان المركز الوطني للذكاء الاصطناعي عام 2020.

وفي حالة الكويت تم إعلان جمعية الذكاء الاصطناعي للأشياء عام 2023.

كما أن هناك مسودة حول الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي 2025 – 2028، الجهاز المركزي لتكنولوجيا المعلومات، ولا توجد لدينا معلومات فيما إذا صدرت بشكل نهائي.

وفي ظل الضغوط التي يواجهها الاقتصاد الكويتي في سوق العمل، والأهم سيادة أسلوب الإنتاج كثيف العمل في القطاع الحكومي (حوالي 384 ألفاً من العمالة المواطنة، كما في 31 مارس 2024، الإدارة المركزية للإحصاء)، فإن هناك تحدياً للتكيُّف مع خيار استخدام الذكاء في القطاع الحكومي مستقبلاً، وحتى في بقية القطاعات، على الأقل في الأجل القصير والمتوسط.

ويرجع هذا التحدي إلى خصوصية موجة التغيُّر التكنولوجي الحالية، والذكاء، في مجال الاستغناء عن العمل، بشكل لا يُقارن مع بقية الموجات التكنولوجية السابقة التي عالجت مشكلة سوق العمل، من خلال توفير فرص عمل جديدة مرافقة لمتطلبات التكنولوجيات السابقة.

وينطبق ذلك على موجة المحرك البخاري 1800، وموجة القطن 1850، وموجة سكك الحديد والفولاذ 1850، وموجة الهندسة الكهربائية والفولاذ، وموجة البتروكيماويات 1950، وموجة تكنولوجيا المعلومات 1990.

وكما أشار إيلون ماسك في مؤتمر VivaTech، بباريس في 23 مايو 2024، فإن الأمر مختلف هذه المرَّة، حيث سيقوم الذكاء بكل مهام أعمالنا، وممارسة العمل، وفق تعبيره، ستكون اختيارية، علماً بأن أحد أشهر اقتصاديي معهد ماساتشوستس MIT الأميركي أسيمغلو D. Acemoglu، أشار، حديثاً، إلى تحفظه على الآثار المبالغ بها لتأثيرات الذكاء على سوق العمل.

وفي ظل معطيات سوق العمل الحالية، هل ستكتسب العمالة غير الماهرة، خصوصاً الإدارية، مهارات لازمة للذكاء؟ وهل ستتزايد فجوة الأجور؟ وما الإجراءات المتبعة حالياً لرفع إنتاجية العمل؟ وهل أنظمة الضمان الاجتماعي، وأنظمة تعويض العاطلين عن العمل، وكذلك الأنظمة التعليمية، قادرة على التكيُّف مستقبلاً مع نتائج تطبيقات الذكاء في سوق العمل الذي سيعيد تعريف المهارة وفرصة العمل؟ كما أن هناك حاجة لنظام ضريبي تصاعدي على الأنشطة المكثفة لاستخدام الذكاء لتقليل معدل البطالة في حالة استفحالها (وهذا المتوقع)، وكيف سيتسق ذلك الإعفاء الضريبي اللازم لشركات الاستثمارات المكثفة لاستخدام الذكاء بهدف رفع الإنتاجية؟

وأيضاً هناك حاجة لإعادة جذرية في طبيعة الاستثمارات الجديدة، وأهمية اتساقها مع الذكاء، وما دور السياسة المالية في نشر تطبيقات الذكاء، ذات المنافع الاجتماعية، مثل تلك التي تساهم بتحسين الخدمات التعليمية والصحية؟

كما أن مهمة إعادة تعريف مهام السياسة المالية، والسياسات الأخرى، ستكون إحدى المهام الصعبة لاحتواء، أو على الأقل المساهمة في احتواء، الآثار الاجتماعية المرتبطة بتوزيع الدخل، المترتبة على تطبيقات الذكاء، خصوصاً في تلك البلدان التي تتسم بها السياسة المالية، والسياسات الاقتصادية الكلية عموماً، بالضعف الشديد، وعدم التكامل.

وهناك حاجة مُلحَّة لتقييم أداء الاقتصاد الكويتي في الأجل المنظور، في ظل منظومة الاقتصاد الدولي المتسارع التطبيق لمنتجات الذكاء، خصوصاً في سوق العمل، والتأثير على بدائل التنويع واستدامة الاقتصاد (علماً بأن نسبة الصادرات الكويتية التي تتضمن محتوى تكنولوجياً متوسطاً ومرتفعاً، عام 2021، هي 7 في المئة فقط، معظمها ضمن صادرات مرتبطة بالنفط، وفق آخر معلومات من الأمم المتحدة، اليونيدو).

المصدر الرئيسي للتنافسية المستدامة حالياً غير المرتبطة بالموارد الطبيعية المطلوبة، على المستوى الدولي، هو مدى القدرة على التحوُّل من بلد ذي محتوى تكنولوجي منخفض ومتوسط إلى مرتفع.