ماذا يرى النظام الصحي لوزارة الصحة إذا نظر بالمرآة؟ هل يرى صورة جميلة لنظام شاب في مقتبل العمر أم لكهل عجوز أخذت منه الأمراض مأخذا عظيما؟ الأنظمة الآلية الحكومية أنظمة شابة حديثة عمرها لا يتعدى سنوات قليلة، ولكن واقع الحال هي أنظمة كهلة عرجاء تمشي على مهل.

يوم الأحد 8 سبتمبر 2024 أفاق الناس على خبر تعطل النظام الصحي لوزارة الصحة، فلا يمكن الدخول الى الملف الصحي للمرضى لمعرفة المراجعات السابقة ونتيجة التحاليل الطبية ونوعية الأدوية والجرعات المصروفة للمريض، هذه المعلومات عن المريض حجبت عن الأطباء والصيدليات وتحول العمل الى اليدوي، مما اضطر الأطباء الى سؤال المرضى عن نوعية الأدوية التي يأخذونها، ولك أن تتخيل الوضع لو نسي المريض أسماء أدويته أو الجرعات التي يحتاجها، وهي الحالة الأغلب الأعم، والأدهى هم المرضى بصدد الدخول الى غرفة العلميات، مما يشكل تهديدا مباشرا للحياة، استمر العطل 7 أيام كاملة.

وبعد حادثة الملف الصحي بيومين تعرض نظام سهل الى عطل فني أثر على خدماته لمدة 24 ساعة، وقبل مدة تعرضت أنظمة وزارة المالية للاختراق والتحول الى اليدوي لفترة ليست بقليلة، وقبل أسابيع تعطلت أنظمة هيئة الإعاقة بسبب انقطاع التيار الكهربائي، وقبل سنوات تعطل مركز البيانات التابع لوزارة الداخلية وخرج عن الخدمة بأكمله لمدة 3 أيام.

Ad

المراقب والمتابع لأعطال الأنظمة الآلية الحكومية يتعجب من تصريح المسؤولين والمشرفين على هذه الأنظمة وتسطيحهم لأثر الأعطال على الخدمات المقدمة للجمهور، فوزارة الصحة التزمت الصمت وكأن الأمر لا يعنيها، والمتحدث الرسمي عن برنامج سهل استخدم عبارة «سامحونا على القصور» لعطل استمر 24 ساعة، وآخر من هيئة الإعاقة يتفاخر بأن انقطاع التيار الكهربائي لم يتسبب في ضياع المعلومات!! تعطلت الأنظمة فقط.

المواطن يتساءل عن الأسباب، هل هي فنية أم معرفية أم إدارية؟ هل توجد خطط تشغيلية للتعامل مع الحالات الطارئة؟ وهل توجد أنظمة بديلة في حال تعرض الأنظمة الرئيسة للاختراق أو التلف؟ وهل توجد صيانة وقائية لهذه الأنظمة والذي يعرف باسم preventative maintenance؟

الأعطال الفنية واردة جدا وعلى أعلى المستويات وفي أنظمة أعتى المؤسسات الدولية، فلا يمكن بأي حال من الأحوال منع الأعطال، ولكن تتميز مؤسسة عن أخرى بمدى وضع خطط لاستمرارية تشغيل الأنظمة وتوفير الخدمات خلال حدوث طارئ، وتجربة هذه الخطط على مدى فترات زمنية محددة للتأكد من جاهزيتها، بالضبط كما تفعل الجيوش بالمناورات العسكرية المحاكية للحروب الواقعية.

لا يمكن السماح بأن يتحمل المواطن الفشل الحكومي في إدارة المرافق الخدمية العامة وأهمها القطاع الصحي، وهنا لا بد من الإشارة الى الدور الغائب للجهاز المركزي لتكنولوجيا المعلومات الذي نص بالمادة (2) من مرسوم إنشائه المتكون من 8 مهام وعلى رأسها «وضع وإدارة المنهجيات والمقاييس والأنماط اللازمة لنظم وأجهزة وخدمات تكنولوجيا المعلومات»، والذي اكتفى بإصدار دليل حوكمة نظم المعلومات في أكثر من 300 صفحة في عام 2016 دون تطبيق أهم عنصر بالحوكمة وهو إجراء تدقيق دوري شامل للتأكد من تطبيق الحوكمة، فكان كمن ينقش على الماء. وفي هذا الصدد، أتمنى من وزير الاتصالات، وهو ابن القطاع والضليع العارف لمشاكل الأنظمة الآلية الحكومية، أن يعهد الى الجهاز المركزي للقيام بأهم مسؤولياته، وهي التدقيق الفني، وأن يعمل على إصدار تقرير دوري لمؤشرات أداء الخدمات الآلية لكل جهة حكومية من حيث إدارة الأنظمة الآلية والاستعداد للكوارث، وأخذ نسخ احتياطية وتوفير مصادر طاقة ثابتة والقيام بالصيانة الاستباقية وغيرها، ونشر هذه التقارير ليعرف المواطن الجهات الرائدة من الخاملة.