وصلت قيمة دعم الطاقة الاحفورية Fossil Fuel عام 2022، عالمياً، الى نحو 7.1 تريليونات دولار، حسب آخر إحصاءات صندوق النقد الدولي المنشورة عام 2024، بارتفاع ملياري دولار عن عام 2020، بسبب الدعم الحكومي الناتج عن ارتفاع أسعار الطاقة.

ويعكس حوالي 18 في المئة من الدعم العالمي للطاقة الفارق بين سعر التجزئة وسعر العرض (أو ما يطلق عليه بالدعم الصريح Explicit Subsidy). كما يعكس رقم دعم الطاقة العالمي نحو 82 في المئة التكاليف البيئية والصحية والمناخية وضرائب الاستهلاك الضائعة Foregone Taxes (أو ما يطلق عليه الدعم الضمني Implicit Subsidy). علما بأن سعر العرض لمنتجات الطاقة غير المتاجر بها، الكهرباء مثلا، يشير الى تكلفة الإنتاج المحلية شاملة كل تكاليف التوصيل لمستهلك الطاقة.

أما في حالة منتجات الطاقة المتاجر بها، النفط مثلا، فإن سعر العرض يعادل الفرصة البديلة لمنتجات الطاقة من خلال استهلاكها بالسوق المحلي بدلا من التصدير، زائدا تكاليف التوصيل للمستهلك، بالإضافة الى الدعم المقدم للمنتجين على شكل الاهتلاك المتسارع Accelerated Depreciation وعادة ما يكون ذا قيمة ضئيلة يمكن إهمالها.

Ad

وقد انصّب الاهتمام إعلاميا، وحتى مهنيا في أغلب الأحيان، على مفهوم دعم الطاقة الأول، الصريح، لارتباطه بالموازنات العامة للدول، ولما يمثله من نسبة كبيرة من إجمالي المصروفات. ولم يحظَ المفهوم الثاني، الضمني، بنفس الاهتمام لارتباطه بتقديرات اقتصادية لا تظهر بالموازنة، ولقصور في أداء الأجهزة الإحصائية، ولضعف الوعي الاقتصادي، وعدم الاهتمام بالأبعاد الاقتصادية الكلية، ضمن أسباب أخرى.

وبقدر تعلق الأمر بدولة الكويت، تشير التقديرات الى أن إجمالي دعم منتجات الطاقة الصريح يعادل 12.3 مليار دولار، في حين يعادل الضمني حوالي 16.9 مليار دولار (انظر الشكل أدناه الخاص بعرض التقديرات المفصلة للدعم الصريح والضمني حسب كل فئة من فئات الطاقة، للدولة، عام 2022، حسب آخر تقديرات الصندوق عام 2024).

المهم، هنا، كما هو في بقية أغلب الدول، أن الدعم الضمني، بالدولة، يفوق الصريح بحوالي 4.6 مليارات دولار. ويمثل الدعم الصريح من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، لدولة الكويت، عام 2022 (المقدّر من قبل صندوق النقد الدولي بحوالي 136 مليار دولار) نحو 9 في المئة، في حين يمثل الدعم الضمني حوالي 12.4 في المئة من الناتج، ويمثل مجموع الدعم، الصريح والضمني، من الناتج نحو 21.4 في المئة (وصلت نسبة الدعم الصريح بالموازنة التقديرية لدولة الكويت 2024/ 2025 الى 18.4 في المئة من إجمالي المصروفات، وعام 2022/ 2023 الى 18.7 في المئة، موقع وزارة المالية).

إن الأخذ بالاعتبار الدعم الضمني، جنبا الى جنب، مع الدعم الصريح، للطاقة، يجعل من الأهمية بمكان أهمية الوصول الى سياسات اقتصادية تتسم بترشيد دعم الطاقة، وضمان التوزيع العادل لأعباء الترشيد. وذلك من خلال التحديد الدقيق للفئات المستحقة، وغير المستحقة، من المستهلكين والمنتجين (بلغت قيمة إجمالي الدعم التقديري في موازنة 2024/2025 حوالي 4530 مليون دينار، أو ما نسبته 18.4 في المئة من إجمالي المصروفات).

ولا يتم ذلك إلا من خلال توفير قواعد بيانات عن أنماط الشرائح الاستهلاكية من الطاقة (صعوبة الاعتماد على الدخول لغياب الضرائب على الأفراد التي توفر مصادر الدخل المختلفة)، والعمل على استبعاد الفئات ذات الشرائح الاستهلاكية المرتبطة بتوفيرالمستلزمات الأساسية من الطاقة من ترشيد الدعم (والذي يمكن أن يحدد كميّا)، والبدء بالرفع المتدرج للدعم كلما ارتفع الاستهلاك من الطاقة، وصولا الى دعم صفري للفئات المرتفعة في استهلاك الطاقة.

أما خيار اللجوء الى خيار «الدخل الأساسي الشامل UBI» (انظر مقالنا المنشور في صحيفة الجريدة الغرّاء بتاريخ 25 أغسطس 2024)، فقد يترتب عليه معدلات تضخم مرتفعة، ضمن محاذير أخرى خاصة بالاقتصاد الكويتي) وذلك لعدم سيادة التنافسية في أغلب أسواق السلع والخدمات. أما في مجال ترشيد دعم المنتجين، فإن الأمر يستلزم الوضوح والتحديد الدقيق للسياسة الصناعية، بشكل خاص، ومن ثم تحديد الأنشطة المشمولة بالصناعات الناشئة Infant Industries، وتلك الواعدة بتوسيع أسواقها محليا وخارجيا، والحدود الزمنية اللازمة لدعمها في مجال الطاقة.

ختاما، فإن ترشيد الطاقة، شأنه شأن إصلاح الموازنة وبقية المتغيرات الاقتصادية، لابد أن يكون ضمن برنامج شامل للإصلاح الاقتصادي، وما يستلزمه من إصلاح إداري كشرط مسبق، تشارك فيه كل الجهات ذات العلاقة.