في عام 1989، نظمت الكويت بطولة «الصداقة والسلام» الدولية، التي جمعت على أرضها أكثر من أربعين دولة للمشاركة في مجموعة متنوعة من الألعاب الرياضية لمدة اثني عشر يوما متواصلة، فكانت البطولة تجسيدًا لرؤية الكويت في استخدام الرياضة كأداة للتقارب بين الأمم وتعزيز الروح الرياضية على المستوى العالمي، وتميزت بتنظيمها المتقن والمشاركة الدولية الواسعة، حيث قدمت الكويت منصة عالمية تجمع بين الدول المتنوعة تحت شعار السلام والتعاون، شملت الفعاليات مجموعة متنوعة من الألعاب الرياضية، مما جعلها مناسبة مميزة تعكس قوة الرياضة في تجاوز الحواجز الثقافية والسياسية.

ومع ذلك، كان هناك حدث واحد برز بشكل خاص بين جميع الفعاليات، وهو مباراة كرة القدم بين العراق وإيران، لم تكن تلك المباراة مجرد مواجهة رياضية، بل كانت رمزًا للتصالح بين دولتين خاضتا حربًا دموية، فعلى أرض الملعب اجتمع خصمان سابقان بأرواح رياضية تجسدت فيها قيم المصالحة والسلام، كانت المباراة علامة فارقة تجاوزت حدود الرياضة لتصبح لحظة تاريخية، حيث أضحت كل تمريرة كرة، وكل هدف تجسيدًا لنجاح السلام ورسالة للعالم بأن الرياضة يمكن أن تكون جسرًا للتقارب حتى بين الأعداء السابقين.

Ad

لكن بعد التحرير في عام 1991، بدأت الكويت رحلة صعبة وشاقة لإعادة بناء الوطن، فلم يكن الإعمار هو الأولوية الوحيدة، فقد بدأت الكويت بإعادة بناء الإنسان قبل البنية التحتية، وكانت هناك جهود مركزة لإعادة تأهيل المجتمعات ودعم الأفراد الذين تأثروا بشكل كبير بالأزمة.

وفي المباراة الأخيرة بين الكويت والعراق، كان هناك أمل كبير في إعادة إحياء نجاح بطولة «الصداقة والسلام»، فللمرة الأولى منذ عقود تدفق جمهور عراقي كبير إلى الكويت، وهو ما لم يحدث بهذا الحجم منذ فترة طويلة، نتيجة آثار الغزو العراقي للكويت، كانت اللحظة محملة بالرمزية، وكأنها فرصة لإعادة كتابة فصل جديد في العلاقات بين البلدين عبر كرة القدم.

لكن النتيجة كانت مخيبة للآمال، الفوضى التنظيمية كانت السمة الأبرز، حيث عجزت الجهات المعنية عن التعامل مع حجم الجمهور العراقي والكويتي الكبير، فكان من المفترض أن تكون المباراة فرصة جديدة لتأكيد قدرة الرياضة على تجاوز الأزمات السياسية، كما فعلت قبل سنوات، لكن الفشل في التنظيم والتحضير جعل الحدث فرصة ضائعة.

الاختناقات في مداخل الملعب، الفوضى في تخصيص المقاعد، وعدم الجاهزية التنظيميه كانت مشاهد متكررة طوال اليوم، وبدلًا من أن يكون الحدث احتفالية رياضية تعزز جهود التقارب بين الشعبين، كان الارتباك والتخبط في التنظيم هو السمة الغالبة، والجمهور العراقي، الذي جاء بأمل في تجربة رياضية مميزة، وجد نفسه في مشهد من الفوضى، مما جعل من الصعب الاستمتاع بالمباراة أو الشعور بالترحيب.

هذا الفشل لم يؤثر على المشجعين فقط بل شمل اللاعبين أيضًا، فالأجواء غير المهيأة بشكل مناسب أثرت على الأداء في الملعب، مما انعكس على الروح العامة للحدث، وبدلاً من تحقيق الأهداف الكبيرة التي كانت متوقعة، تحولت المباراة إلى تذكير مؤلم بأن النجاح لا يعتمد فقط على الأمجاد الماضية، بل يتطلب تخطيطًا دقيقًا وجهودًا مستمرة للحفاظ على مكانة الكويت كدولة رائدة في استضافة الفعاليات الرياضية الكبرى.

السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل الكويت قادرة على تنظيم بطولة الخليج لكرة القدم، التي هيمنت عليها لسنوات؟

تواجه الكويت اليوم تحديًا كبيرًا في استعادة مكانتها كمركز رياضي بارز في المنطقة، بعد أن شهدت خيبة أمل في تنظيم الأحداث الرياضية الكبرى، بطولة الخليج لكرة القدم، التي كانت الكويت واحدة من أبرز منظميها، تتطلب تخطيطًا متقنًا وتنظيمًا عالي المستوى لضمان نجاحها.

إن تنظيم بطولة مثل بطولة الخليج يتطلب أكثر من مجرد استضافة، فهو يحتاج إلى:

تخطيط استراتيجي دقيق: يشمل إعداد البنية التحتية، وتوفير المرافق الرياضية المناسبة، وضمان تنظيم جيد للأحداث.

تنسيق فعال مع الجهات المعنية: من المهم أن يكون هناك تنسيق سلس بين الهيئات الرياضية المحلية والإقليمية والدولية لضمان نجاح البطولة.

استيعاب الجمهور بشكل مناسب: التعامل مع الحشود الكبيرة وتوفير تجربة ممتعة وآمنة للمشجعين هو جزء أساسي من التنظيم الناجح.

إذا كانت الكويت قادرة على معالجة القضايا التي ظهرت في الأحداث الأخيرة، والتخطيط بشكل جيد لتنظيم البطولة، فقد تكون قادرة على استعادة مكانتها كمنظم بارز لبطولة الخليج، وستكون هذه فرصة كبيرة لإعادة تأكيد قدرتها على تقديم فعاليات رياضية متميزة ومواصلة تعزيز دورها في الساحة الرياضية الإقليمية.