نشرت صحيفة «الجريدة» الغرّاء، بعدد الأحد 25 أغسطس 2024، مقابلات مع عدد من الأفاضل الكويتيين حول آرائهم في الدعم الحكومي، وفيما إذا كان: استحقاقاً أم إخفاقاً. ونظراً لأهمية الموضوع وأهمية المساهمات بالمقابلة، باعتبار أن مجموع الدعم يمثل ثاني أكبر أهمية نسبية، بعد تعويضات العاملين، بالموازنة العامة لدولة الكويت، فقد رأينا المساهمة في هذا الموضوع، من خلال عرض وتقييم وجهة نظر مؤسسات التمويل الدولية في هذا موضوع.
في محاولة من مؤسسات التمويل الدولية، وبعض الاقتصاديين المعنيين ببرامج الإصلاح الاقتصادي بالدول النفطية، عادة ما يقترح على اقتصادات مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومن ضمنها دولة الكويت، مقترح «الدخل الأساسي الشامل UBI» (مثل ورقة هيرتوك S. Hertog حول إصلاح توزيع الثروة في الكويت، والمنشورة ضمن موقع أوراق برنامج مؤسسة الكويت للتقدم العلمي مع مدرسة لندن للاقتصاد، عام 2020. بالإضافة إلى اقتراح البنك الدولي لمثل هذا الدخل ضمن دراسات وأوراق عديدة، وآخرها أثناء محاضرة ممثليه في الجمعية الاقتصادية الكويتية، بتاريخ 19 فبراير 2024، وصندوق النقد الدولي في ورقة العمل المرقمة WP/18/273K، ضمن أوراق ومساهمات عديدة أخرى)، كأداة لترشيد الدعم، الذي يصل إلى حوالي 4 مليارات دينار سنوياً، ويتمركز الاقتراح، من وجهة نظر متبنيه، في توزيع مبلغ على المواطنين، بهدف خفض دعمهم بالأشكال المختلفة (من خلال إعادة التسعير وتحريره). وسوف ينصب تقييمنا لهذا المقترح على البلدان النفطية غير المتنوعة اقتصادياً.
ووفقاً لهيرتوك، المشار إليه أعلاه، فإن المبلغ إما أن يوزّع لكافة البالغين من المواطنين، أو (وهو الذي يفضّله الكاتب) مبلغ مرتفع ممن لا يعملون في الحكومة، وأقل ممن يعملون بها والذين يتسلمون، أيضاً، دعماً ضمنياً. ويعتقد المقترح بأنه يتصف بالشفافية، وبحيادية الحافز Incentive-Neutral، وعادل، وأداة كفوءة لتوزيع الثروة، ويوفر مبرراً سياسياً لرفع أسعار الطاقة، ويقلل من الاستخدام الحكومي للعمالة، ويحفّز المواطنين بتحسين مهاراتهم للبحث عن فرص عمل بالقطاع الخاص لتعظيم إجمالي دخلهم. على أن يتم تمويل المقترح من خلال: الوفر في تخفيض الدعم، والوفر بالأجور بفعل تخفيض عدد العاملين بالحكومة، وربما بالأجل الطويل من أرباح الاستثمارات الخارجية. وبعد ذلك، يعرض المقترح كافة أشكال الدعم المقدم من الحكومة، ويقترح ترشيده ومن ثم توفير مبالغ ضخمة يتم التصرف بها لتمويل مقترح الدخل الأساسي الشامل (يقدّر المقترح الدخل الأساسي الشامل المفترض توزيعه سنوياً بحوالي 1.8 مليار دينار).
ويفنّد المقترح ما يثار ضدّه من حجج باعتبارها لا تنطبق على حالة الكويت، بل على بلدان متقدمة. وأول هذه الحجج أن هناك حاجة لرفع معدل الضريبة بشكل كبير لغرض تمويل المقترح. ويقول بأن المشكلة بالكويت ليست كيف نوفر مصادر التمويل، بل في إعادة هيكلة توزيع الدخل المتولد بالخارج، في ظل غياب الضرائب. أما التأثير سلباً على رفع معدل التضخم، فيعتقد المقترح بأنه نظراً لأن حوالي ثلاثة أرباع مستخدمي الطاقة هم من خارج القطاع العائلي، فإن التأثير على معدل التضخم سيكون متواضعاً جداً، أقل من 1% (وبشكل محدد 0.5%). وعند تقييم المقترح لتأثيره على أنشطة المنتجين، فلا يرى مؤيدوه بأن رفع أسعار الطاقة والمياه سيؤثر على القيم المضافة لهذه الأنشطة تأثيراً ملموساً، للقدرة على استخدام أساليب إنتاج موفرة لاستخدام هذين المدخلين. وفي الحالات التي يتم فيها تلمّس أثر واضح، فإنه يمكن للحكومة أن تتدخل، مؤقتاً، لدعم هذه الأنشطة، وبشكل محدد تلك الموجهة للصادرات، والأنشطة المستخدمة للطاقة بشكل كثيف والعاملة في السوق الدولي. ويرى المقترح بأن نسبة هذه الأنشطة الإنتاجية التي بحاجة لدعم هي نسبة منخفضة الى إجمالي الأنشطة، وبالتالي لا تمثل عبئاً على الموازنة. كما أن إنفاق القطاع العائلي لحصة كبيرة من الدخل الأساسي الشامل على منتجات الأنشطة الإنتاجية، سيحيّد التأثير السلبي للمقترح على هذه الأنشطة.
ختاماً، هناك عدد من الملاحظات على الدخل الأساسي الشامل: (أ) يصنّف هذا المقترح بأنه غير مشروط Unconditional UBI، بمعنى أن جميع المواطنين مشمولين بتسلّم مبلغ مقطوع (مع اختلاف القيمة حسب العمل وعدم العمل بالقطاع الحكومي)، من دون الأخذ بنظر الاعتبار مصادر الدخل الأخرى للعديد من المواطنين، والذين قد يصنفون ضمن فئة الدخول المرتفعة جداً، وبالتالي فإن المقترح يحمّل الموازنة بأعباء مالية غير مبررة (ب) إن زيادة الأموال القابلة للإنفاق سيترتب عليه المزيد من الاستهلاك (يمثل الاستهلاك الخاص ثاني أهمية نسبية، بعد الصادرات النفطية، في الناتج المحلي الإجمالي. ويمثل وفق آخر إحصاءات متاحة لعام 2022 حوالي 31.2% بالأسعار الثابتة، موقع الإدارة المركزية للإحصاء) ومن ثم المزيد من الواردات الاستهلاكية، وضغط أكبر على الحساب التجاري (تمثل الواردات من السلع الاستهلاكية حوالي 48% من إجمالي الواردات عام 2023، موقع بنك الكويت المركزي). (ج) إن مصدر تمويل الدخل الأساسي الشامل، دولياً، هي حصيلة الضرائب. وتمّ استبدالها من قبل المقترح من خلال الوفر بالدعم. الاّ أن حدود هذا الوفر، وبدائل الفرص البديلة له، يجب أن تقيّم تقييماً دقيقاً. لا سيما المرتبطة بتخصيصها نحو الاستثمار الهادف للتنويع، ومن ثم توفير مزيد من فرص العمل بالقطاع الخاص على أسس تنافسية، وتوسيع القاعدة الضريبية. (د) انتقال العمالة المواطنة من القطاع الحكومي للقطاع الخاص من خلال تحسين المهارات، بهدف تعظيم الدخل، كما أشار المقترح، ليست بعملية سلسة وآلية، وتعوقها معوقات لا ترتبط بالحوافز الاقتصادية بل بنظم القيم Value Systems، وأن هناك حاجة لترشيد هذه النظم قبل توقع هذا الانتقال.