تكلم بجرأة في إطار إثراء المعرفة وتعزيز القيم والتجربة الإنسانية. تكلم فقط إن كنت إنساناً متّزناً قادراً على التحكم بإنتاجه الفكري في حدود الحقائق والحياد، وفي مأمن من خطر خيانة التعبير وزلات اللسان، وسوء إدارة العواطف والوجدان. تكلم بمساحة يحيطها المنطق والحكمة إن كنت جاداً، واللطافة والبراءة إن كنت مازحاً مع احترام شديد لمشاعر وذوق الإنسان. والأهم أبداً أن تتذكر دائماً أنك سيد لما تخفيه وأسير لما تفشيه.
في وسط المجاملة، والنقد، وإصدار الاحكام على الآخرين يقع مثلث آثام الكلام. والإثم عمل سيئ يرتكبه الإنسان بقصد أو دون قصد، وبغض النظر عن كونه طيباً أم شريراً. آثام المجاملة قد تنطوي في كثير من الأحيان على الكذب والخداع والتزلف. والنقد قد يكون كلاماً ساماً يؤذي مشاعر الفرد والمجتمع فيدمر أجملها ويؤجج أسوأها. أما إصدار الأحكام فهو أمر جلل، قد يكشف هويتك، وجوهر حقيقتك، ويفضح ما تخفيه من علل واضطراب.
في علم التواصل، المتحدث هو المسؤول عما يقول، ومسؤول أيضاً عن أثر هذا القول على المتلقي. لأنه كان يستوجب عليه في المقام الأول أن يدرك خصائص المتلقي وتجاربه جيداً قبل أن يحدد مضمون الرسالة، ويقرر الطريقة المناسبة لإرسالها.
فالمجاملة رسالة ثناء وتقدير صادقة لا يجب أن ترسل إلا لمن يستحقها، فمن خلالها نعلن عن احترامنا لذوات الآخرين وحسن نواياهم، ونبني ثقتهم بأنفسهم ونعزز محاولاتهم، ونؤكد لهم صحة مسارهم، ونشجعهم على بذل المزيد. ولن يستفيد من المجاملة إلا من يقدّر النقد.
وظيفة النقد أن يفحص ويصف الأفكار، والآراء، والتصرفات منطقياً. وينبغي عليه أن يوقظ انتباه الآخرين لمواطن الضعف والخلل، لا أن يؤجج غضبهم مهما كانت الحقائق التي يستند عليها. فالحقيقة أحياناً ألم وخيبة أمل يحاربها الإنسان عادةً بالإنكار. فالنقد البنّاء اشبه ما يكون بشريحة الجبن الغنية بين رغيفين غليظين من المجاملة، أو كتلك الحبوب المنبهة التي لا يجب أن يتناولها المرء في معدة فارغة من المجاملات حتى لا تؤلمه. إن ثنائية المجاملة والنقد أمرٌ لا بد منه ليكون النقد أداة إنسانية حضارية، ومقبولة ومفيدة، إلى درجة جعلت الممثل التلفزيوني الأميركي إيلي والاش أن يعلق على ضرورة تلك الثنائية ساخراً «إن مدح النقاد لك يشبه قول الجلاد: لديك رقبة جميلة».
أما إصدار الأحكام على الآخرين، أو كما يسميه البعض بالانتقاد يعني أنك تتخذ وجهة نظر بشأن شيء ما بناء على نظام القيم الشخصية الخاص بك. أي مجموعة المعتقدات والمبادئ التي تحملها وتستخدمها أنت لتوجيه سلوكك، وتشكيل آرائك، وتحديد خيارتك، وصنع قرارتك. فلا تحاول أن تفرض نظامك الخاص في الحكم على الآخرين، وتنصب نفسك قدوة وأنت لست مهماً كما تعتقد. لذلك لا تضع نفسك في سياق قال فيه سقراط «تحدث كي أراك» وقال فيه الأولون «كلٌ يرى الناس بعين طبعه» حتى لا تكون أسيراً لما تفشيه.