الكويت تعيش زمن النكوص، الكويت اليوم هي قندهار العرب، الكويت تتقهقر تعليمياً وتنموياً واجتماعياً، الكويت تفقد تسامحها الديني مقارنة بكل الدول العربية المسلمة، الكويت اليوم تغرد لوحدها داخل صندوق منغلق، فقوى التزمّت تجرها قسراً إلى المجهول، الكويت أصبحت طاردة لشبابها المتعطشين الى بيئة منفتحة اجتماعياً وترفيهياً، وفرص استثمارية بلا تعقيد ولا قيود.

فما العمل؟ فكلما تفاءلنا خيراً بدخولنا مرحلة تصحيح مسار جديد يزخر بالمبادرات والحريات الشخصية، والتطور نحو نضج سياسي راقٍ ومنتج ونزيه، يُخرج الكويت من ظلمة الفساد، ويقتصّ من سراّق المال العام، والغشاشين والمزورين، فوجئنا بتركيز نيابي واستسلام حكومي، أو قد يكون باتفاق حكومي، على خلق معارك جانبية هدفها إلهاء الناس عن الفساد بفرض النفس الواحد على دولة الكويت بأكملها بالتضييق على الحريات والممارسات الشخصية، والتشكيك في أخلاقياته.

Ad

فمنذ سنوات ونحن نسمع أن الكويت تعيش زمن الصحوة، أي أن هناك من انتشل الشعب الكويتي من الضياع الديني والأخلاقي، فقد تم استيراد مجموعة من دعاة منتمين إلى أحزاب دينية سنية وشيعية، هؤلاء أدخلوا في روع الكويتيين أنهم كانوا منفلتين دينياً وأخلاقياً، وأنهم هم من قادوهم إلى زمن الصحوة الدينية والأخلاقية، فأين مدعي الدين المسيس من شيوخ الدين الحقيقيين؟

فالوضع في الكويت تدهور كثيراً بسبب دعاة الدين المسيّس، فقبلهم لم يكن هناك توتر طائفي، ولم يكن هناك تدخل في الحياة الشخصية، ولم يستخدم الدين مطية سياسية، وكان رواد المساجد والحسينيات حالهم كحال غيرهم، لا مظاهر ولا تظاهر، كان التعليم متطوراً ومتوائماً مع عصرنا، ولم يكن هناك ظواهر شاذة مستوردة كالغش، والتزوير والتدليس، ولم يكن هناك انتشار مرعب للمخدرات والجرائم الجنسية، والجرائم البشعة.

قد يقول قائل إن التركيبة السكانية تغيرت وزادت أعداد الأغراب، ولكن ما دخل كثرة الوافدين في فساد وتأخر البلد، فكل دول الخليج العربي فيها جاليات كما هي في الكويت، إلا أنها أصبحت في مقدمة الدول العربية تعليماً وضبطاً وربطاً، وسيادة للقانون، حتى الجرائم فيها بحدود المعقول.

نشك في أهداف أصحاب الوثيقة القندهارية بأن لديهم أجندة خفية متفقاً عليها مع الحكومة، مضمونها أن دعونا نفرض أجندتنا المتزمتة كما نريد ونشتهي، وذلك بالعزف على أسطوانة محاربة العادات الدخيلة، مقابل ألا نثير قضايا الفساد والتزوير، والسكوت عن شروط النزاهة، والقوي الأمين، واسترجاع ما نهب، مع استرضاء المواطنين بهدر المزيد من الأموال على الزيادات والعلاوات والمكافآت المالية.

الحقيقة إنه لأمر مخزٍ ومعيب أن تستجيب الحكومة لأي تهديد من نائب أو حتى الى حفنة من النواب، ولا تستمع لعموم الناس ومطالباتهم بأن تتوقف عن التضييق عليهم إرضاء لأمزجة نواب، فما الأمر الجلل حتى يطالب نائب بمنع مارثون درج على إقامته منذ سنوات حتى قبل أن يبلغ الرشد؟ وما المكسب من انصياع الحكومة لمطالبة نائب مهووس بغلق مطعم موجود منذ سنوات عديدة، ثم يخرجون علينا نافخين أوداجهم معلنين انتصاراً فارغاً وكأنهم أغلقوا ملفات السرقات.

نقول: يا للأسف، كانت الكويت قبلة للأشقاء الخليجيين الى وقت قريب، لكنها لن تعود بعد الآن، فالكل بمن فيهم أهل البلد غيروا وجهاتهم، فهل هناك من يعي بأن الكويت تعيش داخل صندوق مغلق؟