رغم أنني شخصياً مدخن شره، وفي هذا الوصف تحديداً أنتمي إلى مدرسة التفكير غير السائدة بأننا جميعاً غير مخلدين، فلنمت ونحن مبتسمون فاعلون ما يحلو لنا، خصوصاً أنه من الدارج أن التدخين يقصر العمر، لكنني متأكد أن الهمّ وضغوط الحياة في هذا القرن بحاجة إلى مساعدة للهضم والعبور من خلال سحائب الدخان، فلهذا لن أجادل في أضرار التبغ كثيراً لأنني أعلم أن هذا الأسلوب حتماً لن يجدي مع المدخنين.

عموماً شد انتباهي مطالبات عدد من دول العالم الأول مؤخراً، ومنها «أستراليا» في تنظيم مطالبات منظمة لمنع أعقاب السجائر والحث شيئاً فشيئاً على منعها وتداولها واستخدام السجائر الإلكترونية عوضاً عنها من مجاميع متعددة في المجتمع، والتي شخصياً أحمل رأياً خاصاً فيها (أقصد السجائر الإلكترونية) لكن هذا ليس محور هذا المقال بتاتاً ولا هدفه.

Ad

الهدف من هذه المطالبات يتمحور حول الحث على منع أعقاب السجائر لأنها ضارة وسامة للبيئة لما تحويه من سموم ينتهي بها كمحطة أخيرة في البيئة البرية أو البحرية بطريقة أو بأخرى بعد انتهاء المدخن من شرب سيجارته، ولأن المدخنين ليس كلهم ملتزمين برمي تلك الأعقاب في الأماكن المخصصة لها، وإن كانت متوافرة، فهذا لا يعني أن يتم التعامل معها بطريقة سليمة أصلاً حتى بعد تجميعها، فبدأت مثل هذه المطالبات بالتزايد أكثر وأكثر هذه الأيام، رغم أنني أتذكر مثيلاتها منذ سنين طويلة في أوقات غربة الدراسة في بريطانيا.

عموماً وإحصائياً، يستهلك المدخنون ما يفوق 6.5 تريليونات سيجارة سنوياً بمعدل يفوق 18 مليار سيجارة بشكل يومي، فلك أن تتخيل مقدار تراكم هذه الأشياء في البيئة إن لم يتم التعامل معها بشكل سوي خصوصاً أن أعقاب السجائر تحوي من الكيماويات الضارة الشيء الكثير، التي ثبت أنها توقف نمو النباتات وتسمم التربة والمياه وغيرها من المشاكل البيئية، كما أن جزءاً من الأعقاب أيضاً يحوي لدائن تتكسر مع الأيام والعوامل الطبيعية لتنثر شظايا بلاستيكية في البيئة، ومن هذا السرد المبسط نتفهم ردود أفعال عمالقة و(مافيا) شركات الدخان العالمية ضد نهج الأبحاث العلمية التي تدفع في سبيل إثبات أن السجائر، علاوة على ضررها على الصحة، مضرة بالبيئة بطريقة قاتلة.

عرفت أيضاً المجتمعات الآسيوية والشرق أوسطية بالذات أنها من تلك المجتمعات النهمة للتدخين بكل أشكاله، وحين يتفحص المرء وجوه صغار السن والشباب الذين يعترف الكثير منهم في مجتمعنا أنهم مدخنون، نستطيع أن نبني صورة عن كيفية تفاقم المشاكل الصحية والبيئية بسبب تلك الممارسات، ولن يكون أمراً سيئاً، بل أعتقد أنه ضرورة ملحّة أن نبدأ بمعرفة تأثير أعقاب السجائر والتبغ على البيئة في محيطنا شيئاً فشيئاً في قادم الأيام، لنواكب التطور العلمي الحاصل في هذا المجال.

عموماً وحين أرى صغار السن في مجتمعاتنا هذه الأيام وهم يدخنون أتذكر كيف تغيرت العقلية والصورة النمطية للمدخن، وذاك المشهد المخلد في مسلسل «درب الزلق» حين كان كل من المرحوم الفنان علي المفيدي بدور الخال (قحطة) والمرحوم خالد النفيسي بدور (أبو صالح) يتحدثان عن (حسينوه) وكيف أنه خرج عن المألوف وكسر القيود وتمرد بل (فشل) العائلة لأنه بدأ بشرب تتن!

على الهامش:

تحدثت في سابق الأيام في مقابلة تلفزيونية، إن لم تخني الذاكرة، عن ضرورة فرز النفايات ووجود سيارات خاصة مصممة لاحتياج كل دولة أو محافظة، بحيث يمكن للدولة الاستفادة القصوى من ذلك، وعليه ومع الأيام يمكن أن يتم تدشين بنية تحتية لإدارة النفايات و(ترميزها) وفرزها، وحين رأيت إنجازات دولة قطر في هذا المجال على هامش بطولة كأس العالم في تدشين سيارات خاصة من هذا النوع، عرفت أن للأفكار بيئة حاضنة إن لم توجد وتتوافر أصبحت حبيسة الأدراج لتأكلها الأيام والسنون فقط، وتصبح إنجازاً في مكان ما غير وطنك.