تقرير نشرته «الجريدة» الخميس الماضي كان صاعقاً فيما يتعلَّق بعجز الموازنة، ووصوله إلى 1.6 مليار دينار. وفي مؤشر لا يقل خطورة، بأن 81 في المئة من المصروفات تذهب للرواتب والدعوم. وفي حسبة بسيطة، فالرواتب تلتهم 62 في المئة من الإيرادات لأيدٍ عاملة جاء معظمها مما أسميناه «صناعة البطالة المقنعة»!

لذلك، فعلى الحكومة خفض المصروفات والدعوم الحكومية. أما خفض الرواتب، فالمقصود «الاستثنائية» منها، المنافية للعدالة والمساواة، وما يُسمَّى مستحقات «التفرغ العلمي»، التي إن قرَّر مجلس الوزراء اليوم إيقافها فإن الضرر الفعلي على الدولة ومشاريعها ومؤسساتها قد يكون «صفراً مكعباً». ولتأكيد ذلك علينا مراجعة جميع البحوث التي قُدِّمت تحت بند «التفرغ العلمي» و«الأبحاث العلمية» من الجامعة و«التطبيقي» منذ عام 2000، لننصدم من نسبة مساهمتها في تطوير الدولة!

Ad

لقد كتبنا منذ سبع سنوات عن فضيحة «التفرغ العلمي» حين يُعطى لقياديين أو أعضاء هيئة التدريس بعد الانتهاء من مناصبهم الإدارية والأكاديمية، فلا يمارسون منه سوى كلمة «التفرغ» بالسياحة والسفر، وإذا ما عاد بعضهم من هذا التفرغ، فلا أحد يسألهم أين البحوث وبراءات الاختراعات! وإذا ما قدَّموا شيئاً وُضِع في الأرشيف المكتبي من غير فائدة تُذكر! بل إن هناك قيادية في نهاية عُمرها الوظيفي في مؤسسة بحثية حصلت على تفرغ علمي دون وجه حق، وبتواطؤ «ديوان المحاسبة»، وفي محضر رسمي، لا نزال نحتفظ به إلى الآن، تؤكد مؤسستها أنها غير ملزمة بتقديم بحث!

ولعلم مجلس الوزراء، المتمتعون بالتفرغ العلمي يحصلون على مدى سنة أو سنتين، أو أكثر باستثناء، على راتب شهري يعادل ضعف مرتبهم الأصلي، لتصل مستحقات القياديين منهم إلى تسعة آلاف دينار، أي ما مجموعه ما بين مئتي ألف وثلاثمئة ألف دينار للشخص الواحد، وأحياناً مع تذاكر سفر لزوجته وثلاثة من أبنائه، لتكتمل الراحة والاستجمام.

كما تتحمَّل الخزانة العامة تكلفة انتداب عضو هيئة تدريس، ليغطي مكان العضو المتفرغ لحين عودته، والذي قد لا يكون أحياناً مُلزماً بتقديم بحث. أما المُضحك، فبعضهم يتم تعيينه في منصب قيادي آخر ما إن ينتهي من تفرغه، لتعود الكرَّة، ويحصل على تفرغ مرة ثانية، وهكذا يسير مسلسل هدر المال العام، والطلبة يعانون إغلاق ونقص شُعب دراسية، لعدم توافر الميزانية المنهوبة. بل المثير للغثيان أن تكلفة «التفرغ العلمي»، التي لا فائدة منها، لقيادي واحد، تفوق تقريباً في إحدى المؤسسات البحثية تكلفة ابتعاث أكثر من اثني عشر موظفاً شاباً ببعثة دراسية!

على الحكومة سد ثقوب الميزانية، ووقف عجزها فوراً، بإيقاف «التفرغ العلمي»، وإعادة هيكلته، شريطة وقف مهزلة صرف ضعف الراتب الشهري، ومنع المتفرغ من أي عمل آخر، كما أن عليه توفير التمويل اللازم لأبحاثه من الجهات الحكومية أو الخاصة المستفيدة داخل الكويت، يعني «ماكو» أبحاث سلق بيض.

ثانياً: أن يتم تكليف جهة عُليا، كالتي اقترحناها (هيئة الاعتماد الأكاديمي)، لمراقبة مراحل عمل الأبحاث، وتطبيق الجزاءات ورد الأموال عند الإخلال.

ثالثاً: ألا يكون التفرغ ناتجاً عن حصول المُتقدِّم على منصب قيادي. والأهم، أن أي تفرغ علمي يجب أن يكون من قائمة الأبحاث المُعلنة من الدولة، ولخدمة مشاريعها فقط، عن طريق مركز التقدم العلمي أو المجلس الأعلى للتخطيط، على أن تطبَّق هذه المعايير أيضاً على ما يُسمَّى «الأبحاث العلمية» التي يُهدر ببعضها مئات الآلاف، والتي ما لم توضع لها شروط، كما وضعناها لـ «التفرغ العلمي»، فإن خريرهما سيلتهم الميزانية.

***

إن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي.