تعد الشركات الصغيرة والمتوسطة ركناً أساسياً في أي منظومة اقتصادية، باعتبارها محركاً اقتصادياً يربط المنشآت الأكبر حجماً بالمستهلكين، ويمكن سلاسل التوريد، فضلاً عن دورها في خلق فرص العمل. ووفقاً لإحصاءات البنك الدولي، يشكل هذا القطاع حوالي 90% من إجمالي الشركات على مستوى العالم، ويعمل فيه أكثر من 50% من الناس حول العالم.

ومع ذلك، وحسب مدير خدمات الاستشارات المحاسبية (AAS) في KPMG الكويت عصام أحمد، تواجه منظومة الشركات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة تحدياتٍ ملموسة تعيقها عن المساهمة بدورها في تحقيق النمو المستدام والمباشر للاقتصادات المختلفة، وتضعف آفاق نموها، بينما قد تؤثر في عملها العوامل الخارجية، مثل: العوامل الجيوسياسية، والمنافسة في السوق، والتقدم التقني، والأنظمة والتشريعات. في المقابل، يواجه أصحاب الأعمال تحديات داخلية مختلفة، مثل: استقطاب الكفاءات، واعتماد التكنولوجيا المناسبة، إلا أن هناك تحديا داخليا أكثر أهمية، إنه الإدارة المالية. فقد ثبت أن أدوات الإدارة المالية المعاصرة، مثل: تقارير المحاسبة الإدارية، تعد عنصراً جوهرياً يدعم قدرة الشركات الصغيرة والمتوسطة على إثراء القطاعات التي تعمل فيها، وضمان النمو المستدام لعملياتها.

الأهمية الاستراتيجية للتقارير المحاسبية الإدارية بقطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة

Ad

ضمن المشهد المالي في قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة، يكمن الاختلاف بين منشأة تتمتع بأداء جيدٍ وأخرى تكافح من أجل تحقيق ذلك، هو معايير التقارير المالية والإجراءات المحاسبية المعتمدة لديها، والتي إذا ما تم تطبيقها بعناية، فإنها تتيح لأصحاب القرار البيانات الأساسية التي تمكنهم من إدراك الحالة المالية للشركة بكل دقة، وتساعدهم في تحديد الخطوة التالية لتنمية أعمالهم، واتخاذ القرارات المستنيرة التي تساهم في تحقيق الأهداف والغايات المرسومة. وبالعكس، قد يؤدي غياب التقارير المالية إلى إضعاف قدرة هذه الشركات على إدراك التحديات التي تواجهها، وتعيق عمليات اتخاذ القرارات الاستراتيجية، والاستخدام الأمثل للموارد.

ويشير تقرير صادر عن مؤسسة الكويت للتقدم العلمي إلى أن الممولين يتعاملون مع الشركات الصغيرة والمتوسطة على أنها «تفتقر إلى الكفاءة المالية». ويتطلب سد فجوة الثقة هذه أن تعكس البيانات المالية أداء هذه الشركات بدقة وشفافية، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال العديد من الإجراءات المهنية، مثل: محاسبة التكاليف، وإعداد التقارير عن الحسابات الإدارية. وعلى الرغم من التعقيدات التي ينطوي عليها إعداد التقارير المالية والتدابير المحاسبية، فإنه يتعين على الشركات أن تفي بالتزاماتها تجاه الأنظمة والتشريعات بشكل منتظم.

وتزداد أهمية هذه الاعتبارات في ظل المرونة التي تتميز بها التشريعات المالية في الكويت. وقد يعني عدم امتثال الشركات الصغيرة والمتوسطة لهذه التشريعات تعرضها لغرامات عالية، فضلاً عن الإضرار بسمعتها. ورغم صعوبة هذا التحدي، إلا أنه ليس سوى جزء من تحدٍ أكبر، حيث إن عدم الامتثال قد يشير إلى وجود تناقضات في الأرقام المحاسبية أو اضطرابات في العمليات قد تعيق نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة، وهناك تأتي أهمية الاستعانة بالخبراء في المجال المحاسبي للتغلب على مثل هذه التحديات.

من جانب آخر، تساعد ممارسات المحاسبة وإعداد التقارير المالية الشركات الصغيرة والمتوسطة في تحسين عملياتها الداخلية، حيث يؤدي إعداد تقارير حسابات الإدارة مثلاً، إلى توفير قراءة أكثر عمقاً لأداء الشركات الصغيرة والمتوسطة كما أنه يمنحها حرية التعمق في تحليل أدائها الإداري، ما يساعدها على تحديد مواطن الضعف وقلة الفاعلية، والقصور في تخصيص الموارد، و/أو عدم استغلالها بشكل كافٍ، ما يمكن الشركات من رفع كفاءة أعمالها لأقصى مستوى ممكن.

خواطر في الختام

هكذا، نجد أن الإدارة الرشيدة للتحديات الداخلية تدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة في مواجهة التحديات الخارجية، وذلك من خلال الإجراءات المحاسبية المنضبطة، والتقارير المالية الدقيقة التي تعد ضرورة استراتيجية لتحقيق النجاح، وركيزة أساسية تبنى عليها القرارات، وتتحقق بها الثقة والمصداقية، والامتثال للأنظمة والتشريعات ذات العلاقة، فضلاً عن تعظيم الكفاءة التشغيلية، وتسهيل عملية التخطيط للمستقبل.

ومع استمرار توجه الكويت نحو التحول الرقمي، يتوقع أن تظهر المزيد من التحديات والفرص على الصعيد التنظيمي. ولذلك، يتحتم على الشركات الصغيرة والمتوسطة المتطلعة لتحقيق النمو إعطاء الأولوية للممارسات المحاسبية والتقارير المالية الدقيقة، وأن تنظر إليها باعتبارها استثماراً مهماً لا يقبل المساومة اليوم من أجل إنجاز مستهدفاتها غداً.