تعرّف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ UNFCCC التمويل الأخضر بأنه ذلك التمويل الوطني، أو عبر الوطني، للحدّ بشكل كبير من الانبعاثات، خاصة من القطاعات الملوثة للبيئة، والتكيّف مع الآثار السلبية للتغيّر المناخي.

ويرتبط بالتمويل الأخضر عدد من المفاهيم، مثل التمويل المستدام، وتمويل المناخ، وتمويل الكربون المنخفض.

وتنبع أهمية التمويل الأخضر من دوره في تمويل المنتجات الاستثمارية التي تحمي البيئة وتوقف التآكل في الأصول البيئية، خدمة لتحقيق الرفاه الاقتصادي.

Ad

وكما أشار تقرير الفريق الحكومي الدولي حول التغيّر المناخي IPCC الى أهمية تعبئة التمويل الأخضر للحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري، ومنع تغيّر مناخي كارثي.

وذلك وفقاً لاتفاقية باريس التي تمت الموافقة عليها من قبل 196 طرفا في 12 ديسمبر 2015، بهدف التعامل مع التغيّرات المناخية، ومن خلال ذراع الأمم المتحدة المتمثلة في الاتفاقية المشار إليها أعلاه.

وحسب تقديرات الأمم المتحدة، يحتاج التمويل الأخضر الى حوالي 1.5 تريليون دولار حتى عام 2030.

وكمثال على تنامي التمويل الأخضر، بلغ الرصيد المتراكم لقيمة السندات الخضراء الصادرة من مؤسسة التمويل الدولية IFC (التابعة للبنك الدولي)، حتى 30 يونيو 2023، حوالي 12.5 مليار دولار، وباستخدام 22 عملة، أغلبها بالدولار (حوالي الثلثين من قيمة الإصدارات).

ومن ضمن التحديات التي تواجه السياسة المالية، في مجال التمويل الأخضر وتنفيذ التزامات اتفاقية باريس وغيرها من الالتزامات الهادفة الى خلق اقتصاد صديق للبيئة، كيفية تمويل الاستثمارات الخضراء، ضمن الموازنة العامة للدولة، من دون مفاقمة العجز المالي، في حالة وجوده.

ومن ضمن المقترحات، في هذا المجال، الحزمة المالية التحفيزية Stimulus Funding المخصصة الى أهداف استثمارية تتعامل مع تعزيز الاقتصاد الأخضر، كما ورد في أحد تقارير برنامج الأمم المتحدة للإنماء الاقتصادي UNEDP.

على أن يتم إصدار هذه الحزمة في الأوقات التي يتمتع بها رصيد الموازنة العامة للدولة بوضع فائض، أو/ وجود حيّز مالي ناتج عن تطبيق السقوف المالية.

كما يمكن للسياسة المالية أن تلجأ لإصدار السندات الخضراء، بعد تقييم التزامات خدمة الدين المرتبط بها Green Debt Service، وعائد هذه السندات (أشار أحد تقارير المفوضية الدولية للاقتصاد والمناخ الى أن المكاسب، على المستوى الدولي، الناتجة عن التحول الى اقتصاد منخفض الكربون، قد تصل الى 26 مليار دولار حتى عام 2030).

وفي مجال السياسة المالية، أيضا، المرتبطة بالاقتصاد الأخضر، يمكن التوقف عن دعم أي نشاط مضر بالبيئة، خاصة الاستهلاك العائلي في جانب الطاقة.

ويطلق على هذه السياسة المالية الدعم الأخضر Green Subsidy.

أما من جانب الإيرادات، المرتبطة بالسياسة المالية الخضراء، فيمكن تفعيل الضرائب الخضراء Green Tax، الموجهة، أساساً، الى المعاملات المضرّة بالبيئة، مثل تلك التي تسهم في تآكل الأصول الطبيعية، واستخدام مصادر الطاقة ذات المحتوى الكربوني المرتفع، والممارسات الملوثة للتربة والمياه والهواء.

وفيما يتعلق بدولة الكويت، فقد قامت بتحديث التزامات الدولة باتفاقية باريس، المشار اليها أعلاه، في 12 أكتوبر 2021.

وكمثال على المشروعات الاستثمارية الخضراء، يعتبر مشروع الوقود البيئي (الزور)، بطاقة إنتاج 615 ألف برميل/يوم، من أهم هذه المشروعات.

ومن ضمن أهدافه البيئية: تقليص محتوى النيتروجين والكبريت، والملوثات الأخرى، بشكل كبير.

حيث يتم تخفيض الكبريت في البنزين من 500 جزء الى 10 أجزاء في المليون، وتخفيض محتوى الكبريت في الديزل من 5000 جزء الى 10 أجزاء في المليون.

إضافة الى إنتاج زيت وقود سفن (بنكر)، والمحتوي فقط على 0.5 بالمئة من الكبريت، وفقا لشروط المنظمة البحرية الدولية، بدءا من عام 2020.

ختاما، فإن مجالات تفعيل السياسة المالية الخضراء، من جانبي الانفاق والإيراد العام، هي مجالات واسعة، خاصة في الدول التي يتسع بها استخدام أدوات السياسة المالية، ومن دون قيود أساسية.

أما في حالة دولة الكويت، فإنه، وحتى الآن، لا يوجد حيّز كبير لاستخدام الضرائب البيئية على الشركات المحلية.

إلا أن هناك حيّزا كبيرا في مجال استخدام الدعم، خاصة في مجال الممارسات غير الرشيد للطاقة، سواء من قبل المستهلكين في القطاع العائلي أو المنتجين.

وهناك عدد لا حصر له من الدراسات والتقارير الصادرة من معهد الكويت للأبحاث العلمية، وجهات بحثية محلية وإقليمية ودولية أخرى، يمكن تحديثها فقط، في حالة التقادم، وتفعيلها على أرض الواقع، وصولا الى استهلاك رشيد للطاقة، وبالشكل الذي يوفّر حيزا ماليا كبيرا في الموازنة العامة للدولة.