في مشهد كارثي متكرر كهذا الذي حدث منذ سنوات في حريق المباركية، وتعالت صيحات المسؤولين وقتئذٍ بأن حلولاً جذرية قادمة، ها نحن أمام فاجعة أخرى أدهى وأمرّ، التهمت نيرانها أرواح أكثر من 49 نفساً بريئة وخلّفت عشرات المصابين، في إحدى بنايات العمال في منطقة المنقف بالأحمدي، ليطل علينا المسؤولون مرة أخرى بتحركات لا تأتي إلا ردة فعل.

سيناريو «فراش البلدية»، الذي حمّله سارقو البلدية في ثلاثينيات القرن الماضي مسؤولية فضيحة السرقة سهل وجاهز ومُغرٍ، يمكن من خلاله إرجاع حريق المنقف إلى ذلك العامل الذي كان يعد كوباً من الشاي، أو زميله الذي كان يطهو طعامه، فما أسهله من سيناريو، لكنه مع الأسف ساهم بدور كبير في إيصالنا إلى ما نحن فيه الآن، بتغاضيه عن استشراء أوبئة الفساد والجشع والتواكل والمحسوبية التي غاب بفعلها الدور الرقابي، ولجوئه إلى كبش فداء هزيل لتحميله المسؤولية!

Ad

وعليه فمن قبيل الإلهاء المكشوف لجوء المعنيين في الحكومة إلى إيقاف بعض المسؤولين الصغار عن العمل، وتشكيل لجان تحقيق تنبثق منها لجان أخرى، مع إشغال الناس بتقارير وتفاصيل وأمور جانبية أخرى دون متابعةٍ من أحد، لتتوزع المسؤولية بين كل الأطراف التي سيتبين في نهاية الأمر أن أيديها جميعاً ملطخة بالدم، وبالتالي ليس من مصلحة أحد أن يعمد إلى عقاب غيره خوفاً على نفسه في المقام الأول، وهذا ما يعكسه إيقاف بعض الموظفين في الأحمدي عن العمل، بينما باقي المحافظات كما هي على «طمامها» دون أن يتطرق إلى ذكرها أحد.

وإلى حكومتنا الجديدة التي نعلّق عليها آمالاً عريضة، نشدد على أن التحدي الحقيقي أمام وزرائها وقيادييها أن تعمد إلى اتخاذ إجراءات جدية لحل المشاكل من جذورها، برؤية مسبقة وعمل حقيقي، وأن يلمس الجميع مدى حرصها وحزمها في تطبيق القانون، بقرارات فعلية نابعة من العدالة لا بالبحث عن كبش فداء لإخماد الغضب، ثم تعود تلك الحليمة إلى عادتها القديمة.

وفي هذه الأوقات التي تشخص فيها العيون نحو رجال العدالة، نهيب بهم ألا تأخذهم في الحق لومة لائم، وأن يحكموا ضمائرهم التي بصلاحها تصلح الأمم، ليحددوا الجناة الحقيقيين مهما كانوا، وليوقعوا العقاب الرادع بكل متعال مستهتر بحياة الأبرياء، لاسيما ونحن ندشن عهداً جديداً تأتي التعليمات الصريحة فيه بأن مسطرة القانون واحدة على الجميع، ولا استثناء أمامها... وخالص العزاء لعوائل الضحايا الذين نهيب من موقعنا هذا بحكومتنا ألا تقصر في تعويضهم، وإن كان ما في الأرض جميعاً لا يغنيهم عن ذويهم الذين خرجوا من ديارهم سعياً على معاشهم، فكان خروجهم إلى قدرهم... وإلى الله المشتكى.