أثارت الضربة الإسرائيلية المحدودة ضد إيران وإعلان الأخيرة عزمها عدم الرد على إسرائيل تساؤلات عما إذا كانت المنطقة، التي كانت قبل أيام على أعتاب حرب إقليمية مدمرة، قد تجاوزت مرحلة الخطر، وأن تل أبيب وطهران عادتا الى الوضع السائد قبل الغارة الإسرائيلية على مبنى قنصلي في دمشق، والتي أسفرت عن مقتل قائد الحرس الثوري في لبنان وسورية، واستتبعها هجوم إيراني غير مسبوق بمئات الصواريخ والمسيرات على إسرائيل.

وقلل وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان من أهمية هجوم نُسب إلى إسرائيل، واستهدف قاعدة للدفاع الجوي بأصفهان وسط إيران، أمس الأول، مقارناً المسيرات التي تم إسقاطها بألعاب الأطفال، وأكد أنه لن يكون هناك رد إيراني انتقامي.

Ad

وقال عبداللهيان، ليل الجمعة ـ السبت، في مقابلة مع شبكة «ان بي سي» الأميركية، إن «ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوماً»، مضيفاً أن الأمر كان عبارة عن «طائرتين أو ثلاث طائرات بدون طيار، تلك التي يلعب بها الأطفال في إيران»، وتابع: «طالما أنه لا توجد مغامرة جديدة من قبل النظام الإسرائيلي ضد مصالح إيران، فلن نرد».

تضارب وأضرار

وأكدت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية أنه لم يتم استهداف أي من المنشآت النووية في البلاد، بعد تلويح قائد كبير بـ «الحرس الثوري» بمراجعة تحريم امتلاك الأسلحة الذرية في حال تعرضت مواقع الجمهورية الإسلامية لأي هجوم.

وفي الوقت نفسه تضاربت الأنباء بشأن تضرر أنظمة الدفاع الجوية بالقاعدة الجوية الثامنة في محافظة أصفهان، التي تضم منشآت نووية رئيسية، جراء القصف الذي نسب لإسرائيل رغم عدم تبنيها له رسمياً.

ونقلت وكالة «تسنيم» عن مصدر مسؤول قوله إن «الإشاعات التي تداولتها بعض وسائل الإعلام بشأن تلف جزء من منظومة الدفاع الجوي أثناء المواجهة مع 3 مسيرات صغيرة صباح الجمعة عارية من الصحة تماماً»، تعليقاً على تقرير لـ «نيويورك تايمز» أشار إلى أن صوراً التقطتها أقمار صناعية تظهر أن الهجوم أصاب جزءاً مهماً من منظومة للدفاع الجوي.

وقالت «نيويورك تايمز» إن الصور أظهرت أن الهجوم الذي استخدم ذخائر دقيقة التوجيه، يعتقد أنها أطلقت من «مقاتلات إف 35» على قاعدة «شيكاري» الجوية، أدى إلى إتلاف أو تدمير رادار يستخدم في أنظمة الدفاع الجوي إس-300 لتتبع الأهداف المعادية بالقرب من مفاعل نطنز النووي.

وفي وقت سابق، قال مسؤولان غربيان إن صاروخا أُطلق من طائرة حربية بعيدة عن المجال الجوي الإسرائيلي أو الإيراني، وكان يشتمل على تكنولوجيا مكنته من الإفلات من دفاعات الرادار الإيرانية.

وأكدت مصادر أمنية وحكومية إسرائيلية، لصحيفة «جيروزاليم بوست»، أن إسرائيل شنت الهجوم لكنها لم تعلن مسؤوليتها عنه «لأسباب استراتيجية».

وتحدثت الصحيفة العبرية عن تنفيذ طائرات الاعتداء بإطلاق صواريخ بعيدة المدى وليس باستخدام طائرات مسيرة أو صواريخ أرض جو، بعد تقارير عن سقوط صواريخ في العراق قبل بلوغها أهدافها في إيران.

جاء ذلك في وقت ذهب تقرير لـ«واشنطن بوست» إلى أن إسرائيل طبقت إحدى أفضل قواعد احتواء الأزمات من خلال إبقاء الفم مغلقا، وأن صمتها الرسمي، كان بمنزلة رسالة حقيقية، تؤكد رغبة جميع الأطراف في منع التصعيد بالقول أو بالفعل.

وبحسب التقرير، كانت إسرائيل تريد الكلمة الأخيرة في تبادل الهجمات، ويبدو أنها نجحت في إيصال رسالة رمزية لجعل إيران تفكر مرتين قبل شن هجوم مباشر عليها مستقبلا.

تكتم وانتقادات

في غضون ذلك، ذكرت مجلة «بوليتيكو» الأميركية أن إدارة الرئيس جو بايدن، تأمل أن يؤدي التزام الصمت الذي اتبعته واشنطن وتل أبيب بشأن ضربة أصفهان إلى تخفيف التصعيد وإبعاد شبح الحرب الشاملة عن الواجهة.

ونقلت المجلة عن مسؤول أميركي قوله إن «الولايات المتحدة توسلت إلى تل أبيب، كي لا ترد على طهران، ولا يعتبر أحد، من البنتاغون إلى هيئة الأركان المشتركة إلى وكالة المخابرات المركزية إلى مجتمع الاستخبارات، أن هذا أمر جيد».

وأشار المسؤول إلى أنه «في هذه المرحلة، من المحرج أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يستمع إلينا، لكن هذا لا يمنع الرئيس بايدن من الولاء الأعمى»، وتابع أن «تل أبيب تلعب لعبة خطيرة، ويبدو أن بايدن يضعنا في مرمى النيران».

وأثارت الضربات على إيران وإسرائيل انتقادات من اليسار واليمين الأميركي على السواء لإدارة بايدن لاتهامها بالفشل في تحقيق الهدف الأساسي الذي حددته بعد هجوم «طوفان الأقصى»، الذي شنته «حماس»، والقاضي بمنع وقوع حرب إقليمية تنجر لها واشنطن.

وجاء التأكيد الوحيد المسجل على أن إسرائيل كانت وراء الهجوم من جانب وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني، الذي استضاف وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في اجتماع مجموعة السبع في كابري، أمس الأول، وقال بشكل علني إن «الولايات المتحدة أبلغت في اللحظة الأخيرة» من قبل إسرائيل بأنها على وشك تنفيذ هجوم ضد إيران دون أن يكون هناك أي تدخل من جانب واشنطن».

جبهة الحشد

ووسط غموض بشأن احتمال عودة قواعد الاشتباك التقليدي، التي تتفادى شن ضربات مباشرة وتكتفي بتبادل الهجمات عبر الوكلاء والعملاء دون تبنيها رسمياً من قبل تل أبيب وطهران، أعلنت خلية الإعلام الأمني العراقية مقتل عنصر من «الحشد الشعبي»، الذي يضم فصائل شديدة الصلة بإيران، وإصابة ثمانية آخرين بينهم منتسب من الجيش في انفجار وحريق داخل معسكر كالسو بشمال بابل.

وبينما قال مصدران أمنيان إن الانفجار الذي استهدف مقر قيادة للحشد ناجم عن «قصف جوي»، نفت وزارة الدفاع على لسان لجنة تم تشكيلها للتحقيق في الواقعة وجود أي طائرة مسيرة أو مقاتلة في أجواء بابل قبيل الانفجار وفي أثنائه.

وسارعت القيادة العسكرية الأميركية في المنطقة «سنتكوم» إلى نفي شن أي ضربات في العراق، فيما توعد الأمين العام لـ«كتائب سيد الشهداء» أبو آلاء الولائي بالرد على أي جهة يثبت تورطها.

ورفض متحدث باسم الجيش الإسرائيلي التعليق على التقارير بشن هجوم العراق، فيما قالت «المقاومة الإسلامية» إنها استهدفت هدفاً حيوياً في إيلات جنوب إسرائيل في هجوم بطائرات مسيرة، «ردا على استمرار المجازر الصهيونية بحق المدنيين الفلسطينيين، وانتهاك العدو الصهيوني للسيادة العراقية في استهدافه الغادر لمعسكرات الحشد».

وسبق أن أعلنت هذه الفصائل استهداف قواعد عسكرية أميركية في العراق وسورية أو أهداف في إسرائيل منذ بدء حرب غزة في السابع من أكتوبر الماضي.