لم تعد خافية درجة التوتر في العلاقة بين الرئيس الأميركي جون بايدن ومجرم الحرب رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، الأمر الذي وصف معه الاتصال الأخير الذي جرى في 4 أبريل 2024 بين الطرفين بالـ«متوتر جداً».

وقد كشف الموقع الرسمي للبيت الأبيض- بعبارات مدروسة ومنتقاة- أن الرئيس بايدن شدد خلال الاتصال على أن «الضربات التي تستهدف العاملين في المجال الإنساني والوضع الإنساني العام غير مقبولة، وأوضح ضرورة أن تعلن إسرائيل وتنفذ سلسلة من الخطوات المحددة والملموسة والقابلة للقياس لمعالجة الضرر الذي يلحق بالمدنيين والمعاناة الإنسانية وسلامة عمال الإغاثة، وأن سياسة الولايات المتحدة فيما يتعلق بغزة سيتم تحديدها من خلال تقييم للإجراء الفوري الذي ستتخذه إسرائيل بشأن هذه الخطوات، وأن الوقف الفوري لإطلاق النار ضروري لتحقيق الاستقرار وتحسين الوضع الإنساني وحماية المدنيين الأبرياء».

Ad

وقد ذكرت مصادر صحافية مطلعة أن الرئيس بايدن تحدث مع نتنياهو بـ«غضب»، معرباً له أن «مستقبل الدعم الأميركي في حرب غزة يعتمد على اتخاذ خطوات لحماية المدنيين وعمال الإغاثة»، الأمر الذي دفع نتنياهو لتعمّد تسريب قوله في جلسة حكومته الأمنية «سنعرف كيف ندافع عن أنفسنا وسنتصرف وفقاً للمبدأ البسيط المتمثل في أن من يؤذينا أو يخطط لإيذائنا سنؤذيه»، ضارباً عرض الحائط بنتائج أي خلاف شخصي مع الرئيس الأميركي، مستنداً الى ثوابت الدعم الأميركي لإسرائيل ومراهناً على مغامرة تطويل حياته السياسية مهما غلت الأثمان الخاصة والعامة.

***

قد يذهب بعض المتفائلين وبعض مروجي الشائعات السياسية على مسافة خطوة من الانتخابات الرئاسية الأميركية الى اعتبار توتر العلاقة الشخصية ستؤدي الى زعزعة جدّية في العلاقة الأميركية-الإسرائيلية، مستندين في ذلك الى ما يتردد في أروقة البيت الأبيض من أن «دعم واشنطن لإسرائيل في صراعها ضد حركة حماس قد يشهد تغييراً جوهرياً».

الا أن القراءة الموضوعية تنفي أي استنتاج مغلوط ومبالغ فيه من هذا القبيل، ذلك لأن العلاقة التي تربط العاصمة الأميركية بـ«تل أبيب» هي ثابتة واستراتيجية وتتخطى كل الخلافات الشخصية والاختلاف الظرفي في المقاربات، ويشهد على ذلك ثبات الدعم الأميركي للكيان الغاصب على المستويات السياسية والعسكرية والإعلامية كافة مهما تبدّلت الظروف ومهما تعددت القضايا والأحداث.

ففي عام 1956 لم يختل مسار المساعدات المالية الأميركية لإسرائيل رغم الغضب المعلن لأيزنهاور من استيلاء إسرائيل على شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة على أثر العدوان الثلاثي على مصر، وكذلك في عام 1967 لم يصل اهتزاز العلاقة بين البلدين الى حد من الجدّية رغم مقتل وجرح أكثر من مئتي بحّار أميركي في الهجوم الإسرائيلي- الذي قيل إنه بالخطأ- على سفينة التجسس الأميركية ليبرتي، وهكذا الأمر في عام 1982 حيث لم يتأثر رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن ولا وزير دفاعه آنذاك آرييل شارون مما وصف في وقتها بـ«الغضب الشديد» للرئيس رونالد ريغان من اجتياح بيروت كأول عاصمة عربية يحتلها الصهاينة بعد القدس!

وكذلك الأمر في ولاية الرئيسين «بوش» الأب والابن، بقيت العلاقة الأميركية-الإسرائيلية ثابتة ومتينة و«عصية على الكسر» و«أقوى من أي معاهدة وترتكز على الارتباط المشترك بالكتاب المقدس» وفق ما أعلنه الرئيس بوش الابن في عام 2009 في مقرّ الكنيست الإسرائيلي أمام ممثلي الشعب اليهودي... ولم يغيّر في هذه الثابتة مثلاً تعبير وزير الخارجية جيمس بيكر عن استياء الولايات المتحدة وشعورها «بالإحباط المتزايد من التلكؤ الإسرائيلي بشأن مفاوضات السلام مع الفلسطينيين» في عام 1990، كما لم تتأثر في عام 2002 بـ«قلق» الإدارة الأميركية من اصرار إسرائيل على بناء جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية المحتلة.

وليس الزمان ببعيد حين أسرعت إدارة بايدن نفسه الى تحريك حاملات الطائرات ومدمرات الجيش الأميركي باتجاه البحر الأبيض المتوسط، معلنة دعمها الكامل وغير المشروط للكيان الإسرائيلي محافظة عليه من أي تهديد جدّي قد يطوله من «طوفان الاقصى» وتداعياته الإقليمية والاستراتيجية، وذلك رغم ما يعلنه ليلاً نهاراً الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض من «ضرورة الحفاظ على أرواح المدنيين» و«حرص الولايات المتحدة الأميركية على عدم انزلاق الحرب نحو حرب إقليمية».

ففي جميع المراحل وعلى امتداد الأزمنة والعهود لم تتخلّ الولايات المتحدة الأميركية عن دعمها «لكيان الضرورة» بالنسبة اليها، رغم كثير من المحطات التي اختلف فيها ساكنو المكتب البيضاوي مع أصحاب القرار الإسرائيلي.

***إن الكيان الإسرائيلي بالنسبة إلى رؤساء الولايات المتحدة الأميركية، وواضعي السياسات فيها من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، أهم بكثير من أي خلاف أو عدم استلطاف شخصي بين السياسيين، كما أن المصالح المتبادلة أكبر بأضعاف من أي وجهة نظر ظرفية للإدارة الأميركية أو أي اعتبارات إنسانية أو قانونية تعلن الولايات المتحدة التمسك بها حفاظاً على ماء الوجه في المحافل الدولية.

فمن ثوابت ومرتكزات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط واتجاه الكيان الإسرائيلي يتبدى جليّاً ما يلي:

- البعد الاستراتيجي: إذ يشكّل الكيان الإسرائيلي حديقة خلفية للولايات المتحدة الأميركية تتمترس فيها للتحكم بأوراق اللعب مع أصدقائها في القارة العجوز القريبة، ولضمان التوازن اتجاه كل من يعاديها في قارة آسيا والشرق الأوسط، فوجود «إسرائيل» قوية ومحافظة على ولائها الاستراتيجي هو ضرورة لتأمين منابع البترول في الخليج العربي، وطرق نقله في المياه الدافئة.

- بعد الأمن القومي: إذ تسود القناعة أن الحفاظ على أمن «إسرائيل» يعزز الأمن القومي للولايات ويحافظ على مصالحها الخارجية في الشرق الأوسط والعالم، وهذا ما أسس لشراكة عسكرية واستخباراتية تشمل التعاون المطلق في مجالات التكنولوجيا المتطورة والصناعات العسكرية وبرامج الأمان.

- البعد التلمودي: تؤدي العواطف والرغبة في دعم الكيان اليهودي لأسباب دينية وتاريخية دورًا في صياغة السياسة الأميركية التي تتحكم فيها بشكل عميق مجموعات دينية تؤمن بالفكر التلمودي المتطرف.

- السياسة الداخلية الأميركية: تؤثر العوامل الداخلية في الولايات المتحدة مثل اللوبيات السياسية ومجموعات المصالح الاقتصادية والمؤثرين في الإعلام- وأغلبهم من الأثرياء المعتنقين للفكر الصهيوني- في صياغة السياسة الأميركية الداعمة «لإسرائيل» بشكل ثابت ومستمر.

- إن السعي الأميركي المعلن لحل عادل ودائم للصراع العربي- الإسرائيلي لا يسمح له أن يكون على حساب المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية. * كاتب ومستشار قانوني