عشرات القبائل العربية توزعت على امتداد الجزيرة العربية وبلاد الرافدين وبلاد الشام وعلى ضفة الخليج الشرقية وغرب البحر الأحمر على مر التاريخ، وغالبية هذه القبائل كانوا بدواً رحلا يبحثون عن الماء والكلأ، وعندما تفقد إحدى القبائل مصدراً من هذه المصادر أثناء مواصلتها الحياة، تظهر فيها مجاعات تجبر القبيلة على شن غزوات على جيرانها في صراع من أجل البقاء، ولهذا تفرعت كل قبيلة إلى بطون وأفخاذ، لتنتشر في مختلف بلدان الشرق الأوسط، بحثاً عن الأمن والأمان في نجاتها من المجاعات تارة ومن الغزاة تارة أخرى، ولتتأكد لنا حقيقة واحدة مفادها أنه، ومنذ ما قبل عصر الجاهلية حتى ثلاثينيات القرن العشرين، لم تكن القبيلة– أي قبيلة– تمتلك دائماً القدرة على توفير العيش الرغيد لكل أفرادها، أو لحمايتهم من بطش الغزاة.

وعندما نشأت الكويت الصغيرة قبل أكثر من أربعمئة عام، لم يكن فيها لا ماء ولا زرع ولا ضرع، لكنها كانت الملاذ الآمن لكل أفراد القبائل العربية الذين نجوا بأنفسهم فرادى وجماعات من الكوارث الطبيعية والبشرية، فعندما حدثت المجاعات في الجزيرة العربية أو وقعت غزوات بعض القبائل على بعض، لم تلجأ قبيلة من القبائل «بكامل أفرادها» إلى الكويت والاحتماء بشيوخ الكويت وتجارها وناسها الطيبين، بل «تطشرت» كل قبيلة مستضعفة وتوزعت أشلاؤها على امتداد رقعة الجزيرة العربية- ومنها الكويت- هرباً من عاديات الزمن، والنجاة من بطش القبائل القوية، فكانت الكويت حضناً دافئاً لكل اللاجئين من أفراد القبائل.

Ad

حتى الشيعة الذين نزحوا من شرق الجزيرة العربية وهاجروا من جنوب العراق وبلاد فارس كانت لهم الكويت حصناً منيعاً ومصدراً للاسترزاق رغم شظف العيش آنذاك وشح طبيعة هذه البقعة الصغيرة النائية من الجزيرة العربية، ولهذا فإن شيعة شرق الجزيرة العربية أو جنوب العراق أو بلاد فارس لم يهاجروا كلهم إلى الكويت، إنما اقتصرت هذه الهجرات المتفرقة من حيث الزمان والمكان على عوائل فقط. ولهذا نتساءل: من الذي حمى الآخر، هل القبيلة هي التي حمت الكويت من شرور الأزمان؟ أم أن الكويت هي التي حمت أفراد كل القبائل التي لجأت إليها؟ ومن الذي دافع عن الآخر، هل الشيعة دافعوا عن الكويت، أم أن الكويت هي التي دافعت عن شعبها وإن اختلفوا في المذاهب شيعة وسنة؟ وهل كانت الكويت بكل معاركها التاريخية تقحم نفسها في الحروب للدفاع عن قبيلة بعينها، أو عن طائفة معينة، أو عن عائلة محددة كانت ومازالت تعيش على أرضها؟ أم أن كل هذه القبائل والطوائف والعوائل التي تحتضنها الكويت بذلوا أرواحهم رخيصة للدفاع عن أرض الكويت، التي كانت صحراء خالية من زرع وماء ونفط، ولحماية عرض سكان رقعة مباركة؟

فلماذا يظهر مرشحون برلمانيون مظلومية قبلية وطائفية وعائلية زائفة لاستدرار عطف الناخبين، ثم ما إن تنتهي الانتخابات وكأن شيئاً لم يكن؟ ولماذا ترتفع أعلام القبائل أعلى من رايات الكويت؟ ولماذا تبرز شعارات الطوائف بين غبار المشاحنات المفتعلة؟ ولماذا ترفرف أسماء العوائل لتختفي بيارق بلادي حتى في انتخابات عرفناها لحماية هذه البيارق؟ ولماذا يحاولون إقناع الناس أن القبيلة هي الملاذ الآمن، وأن الطائفة هي الحصن الحصين، وأن العائلة هي العطاء الأوحد، حتى في وجود النفط؟ أليس هذا تمزيقا لثوب الكويت الذي يتسع للجميع؟ لماذا يمر المرشحون وأعضاء مجلس الأمة على المادة (108) من الدستور التي تنص على أن (عضو المجلس يمثل الأمة بأسرها ويرعى المصلحة العامة...)، وأنه لم يأت إلى قاعة عبدالله السالم للدفاع عن قبيلته فقط، أو لنصرة طائفته فقط، أو لحماية عائلته فقط؟ «ليش؟.. ومنو اللي عنده الكود» المحرك لهذه النعرات؟