أصبحت المساعي لتأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان، أحدث خلاف سياسي، يضاف الى الانقسام حول الفراغ الرئاسي الممتد منذ نوفمبر 2022، والانقسام حول قرار حزب الله الدخول في مواجهة عسكرية مع إسرائيل في الجنوب تحت راية إسناد قطاع غزة بمواجهة العدوان الإسرائيلي.

ويصر الثنائي الشيعي، أي حزب الله وحركة أمل، على تأجيل الانتخابات، مادامت الأوضاع الأمنية والعسكرية في الجنوب لا تسمح بإجرائها. ويقول مصدر قريب من «الثنائي» إن هذا الاستحقاق يرتبط بالإنماء والتحسينات التي تقوم بها المجالس البلدية، وهذا أمر مستحيل في ظل هذه الظروف التي يشهد فيها الجنوب حرباً حقيقية تؤدي الى دمار في البيوت والمنازل والقرى والطرقات العامة والمؤسسات الأخرى.

Ad

كما أن الظروف الأمنية وتهجير الكثير من سكان البلدات الجنوبية من منازلهم وقراهم لا تسمح كذلك بإجراء الاقتراع. ويرفض «الثنائي» إجراء الانتخابات في مناطق لبنانية أخرى غير الجنوب، لأنه يعتبر ذلك تكريساً لعزل الجنوب عن البلد ككل، مما يعزز منطق الانقسامات أو «الفدراليات». ويقول مصدر قريب من رئيس مجلس النواب نبيه بري إن الجنوب يحتاج إلى احتضان من الدولة وليس الانفصال والعزل. ولهذه الأسباب يسعى «الثنائي» الى تشكيل تحالف واسع لتمرير التمديد للمجالس الحالية في جلسة نيابية، وفي هذا الإطار يتعزز التواصل مع التيار الوطني الحرّ ورئيسه جبران باسيل، حيث حصل تقاطع أساسي بين الطرفين في انتخابات نقابة المهندسين، مما مكّن باسيل من توفير الفوز لمرشحيه في بيروت والشمال، في أكبر انتصار انتخابي منذ سنوات شكّل مؤشراً أساسياً لباسيل بأن تحالفه مع الثنائي الشيعي يساعده انتخابياً.

في المقابل، يتحدث معارضو حزب الله وباسيل عن مقايضة حصلت بين دعم مرشح «التيار الوطني» في نقابة المهندسين مقابل دعم «التيار» لتمرير التمديد للمجالس البلدية والاختيارية وتأجيل الانتخابات في مجلس النواب.

ويحاول هؤلاء تشكيل تحالف عريض لمنع جلسة التمديد، لكن احتمالات نجاحهم تبدو منعدمة، لأن التصويت على التمديد يحتاج إلى نصاب النصف زائد واحد، أي 65 نائباً فقط، ثم لتصويت الأكثرية المطلقة من الموجودين داخل القاعة العامة، أي أن 34 نائبا فقط قادرون على تمرير القرار، مما يعني أن التمديد سيكون سهلاً جداً. ويتهم المعارضون حزب الله وحركة أمل بتجنّب إجراء الانتخابات حتى لا تظهر الخلافات بين الثنائي الشيعي على التوجهات السياسية والبلدية في القرى والبلدات، وخصوصاً في الجنوب، لأن هذه المرحلة تتطلب بالنسبة اليهما إظهار أقصى درجات الوحدة والانسجام بالمواقف في ظل الحرب القائمة، التي تنخرط فيها «الحركة» الى جانب «الحزب».

وسيؤثر هذا الخلاف السياسي الجديد سلباً على أي إمكانية للتوافق حول الاستحقاق الرئاسي، على الرغم من كل المساعي التي تبذلها اللجنة الخماسية في سبيل تقريب وجهات النظر، أو توفير ظروف انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وذلك يعني أن البلد غير جاهز بعد للدخول في حقبة الحلول السياسية، وأن الكلمة لا تزال للميدان وما ستقرره التطورات العسكرية في الجنوب، وسط المزيد من المعلومات عن احتمال حصول تصعيد في مسار العمليات العسكرية على خلفية المواجهة بين إيران وإسرائيل.