نفذت إيران هجوماً مباشراً ضد إسرائيل للمرة الأولى على الإطلاق، في تصعيد غير مسبوق للصراع بين طهران وتل أبيب.

وأثار هذا الهجوم مخاوف المحللين بشأن التداعيات المحتملة على الأسواق العالمية، خصوصاً بالتزامن مع استمرار مستويات التضخم المرتفعة وتكهنات تأجيل خفض الفائدة الأميركية.

Ad

هجوم غير معتاد

وأطلقت إيران مساء يوم السبت الماضي أكثر من 300 طائرة مسيّرة وصاروخ على أهداف في إسرائيل.

وأشارت طهران إلى أن الهجوم جاء كرد فعل على الضربة الإسرائيلية التي استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق قبل أسبوعين.

وتسبب الهجوم الإيراني بأضرار محدودة في قاعدة عسكرية إسرائيلية، مع عدم وقوع قتلى جراء الهجوم.

وأعلنت إسرائيل أنها تصدت إلى 99 في المئة من الطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية، كما ذكرت الولايات المتحدة أنها تعاملت مع بعض الهجمات.

وأشار خبراء إلى أن هذه المرة الأولى التي تهاجم فيها إيران إسرائيل من الأراضي الإيرانية.

لكن الهجوم لم يكن مفاجئاً، حيث ذكرت تقارير نهاية الأسبوع الماضي أن إسرائيل تستعد لهجوم إيراني على المناطق الجنوبية أو الشمالية يومي الجمعة أو السبت.

وأثار الهجوم ردود أفعال دبلوماسية واسعة النطاق، حيث أعرب الرئيس الأميركي جو بايدن عن دعمه لإسرائيل، بينما أدانت مجموعة السبع هذا التصعيد.

وفي حين ذكر وزير الدفاع الإسرائيلي أن المواجهة مع إيران «لم تنته بعد»، أوضح وزير الخارجية الإيراني أن هجوم طهران انتهى مع عدم وجود خطط حالية لمهاجمة إسرائيل مجدداً، لكنه حذر من أنه إذا ارتكب النظام الإسرائيلي خطأ آخر، فإن رد بلاده سيكون أكثر خطورة بكثير.

واعتبر مايكل سينغ المدير السابق لشؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي أن الهجوم الإيراني كان بمنزلة رد فعل محدود وبطيء وغير ناجح.

وبينما يرى أهرون بريجمان الخبير في جامعة كينغز كوليدج في لندن أن الهجوم الإيراني يعد «حدثاً تاريخياً»، فقد حذر من أن عدم وجود قنوات اتصال مباشرة بين الجانبين يمكن أن يؤدي إلى حسابات عسكرية خاطئة وخطيرة.

توقع مسبق للأسواق

وظهرت مخاوف تصعيد التوترات في الشرق الأوسط على الأسواق المالية العالمية خلال الأيام الماضية، في توقع مبكر للهجوم الإيراني على إسرائيل.

وشهدت أسواق الأسهم الأميركية تراجعاً الأسبوع الماضي، مع مخاوف التوترات الجيوسياسية وتراجع احتمالات خفض معدلات الفائدة قريباً مع بيانات اقتصادية قوية وبيانات التضخم التي جاءت أعلى من المتوقع للشهر الثالث على التوالي.

وانخفض مؤشر «داو جونز» الأميركي بنحو 475 نقطة أو 1.2% يوم الجمعة، كما تراجع «إس آند بي 500» بحوالي 1.5%.

وعلى مدار الأسبوع الماضي بأكمله، هبط مؤشر «إس آند بي 500» بنحو 2.4%، في أكبر تراجع أسبوعي منذ أكتوبر الماضي.

وعلى جانب موازٍ، ارتفع سعر خام برنت يوم الجمعة الماضي أعلى مستويات 92 دولاراً للبرميل، للمرة الأولى في نحو خمسة أشهر، قبل أن يقلص مكاسبه عند التسوية مسجلاً 90.45 دولاراً.

كما تجاوز سعر العقود الآجلة للذهب تسليم شهر يونيو مستويات 2440 دولاراً للأوقية للمرة الأولى على الإطلاق، قبل أن يقلص مكاسبه إلى 2374 دولاراً عند تسوية الجمعة.

وعلى جانب الفضة، ارتفع سعر العقود الآجلة تسليم شهر مايو يوم الجمعة إلى 28.33 دولاراً للأونصة، وهو قرب أعلى مستوى في ثلاث سنوات.

ردود أفعال مبكرة

وبعد الهجوم مباشرة، انخفضت أسعار العملات المشفرة بشكل حاد، مع سعي المستثمرين لتجنب الأصول الخطيرة.

وتراجع سعر البتكوين بنحو 10% ليصل إلى حوالي 61 ألف دولار، قبل أن يتعافى لاحقاً أعلى 64 ألف دولار، لكنه يظل بعيداً عن مستويات 71 ألف دولار المسجلة يوم الجمعة الماضي.

وفيما يتعلق بجانبي الصراع، انخفضت عملة إيران إلى مستوى قياسي متدنٍ بعد الهجوم مباشرة، لتنخفض إلى 705 آلاف ريال لكل دولار في السوق غير الرسمي، بحسب بيانات «بونباست».

لكن العملة الإيرانية قلصت خسائرها لاحقاً، لكنها تظل أعلى كثيراً من السعر الرسمي للعملة عند 42 ألف ريال أمام الدولار.

وعلى الجانب الآخر، شهد سوق الأسهم في إسرائيل تقلبات محدودة يوم الأحد، لينهي المؤشر الرئيسي للأسهم التداولات مرتفعاً بنحو 0.3.%، في تجاهل واضح للتصعيد الأخير.

وفي مجال الطيران، أوقفت العديد من شركات الطيران رحلاتها عبر الشرق الأوسط، في أعقاب الهجوم الإيراني.

وأعادت الأردن والعراق ولبنان فتح مجالاتها الجوية، بعد إغلاقها لفترة قصيرة يوم السبت.

هل تتأثر الأسواق؟

ويهدد الموقع الاستراتيجي المهم لكلا الجانبين على خريطة العالم بتداعيات كبيرة على الاقتصاد والتجارة حول العالم، في حال اتساع نطاق الصراع.

وعادة ما يكون للتوترات الجيوسياسية تداعيات خطيرة وواسعة على الأصول المالية المختلفة، مما يشمل الأسهم والعملات والذهب والنفط.

ويرى كريس ويستون رئيس قسم الأبحاث في «بيبرستون قروب» أن التوترات ستظل مرتفعة خلال الأسبوع الجاري، لكن في حال عدم تصعيد الأمر، فإن الأسواق ستعود للتركيز على الأساسيات بسرعة.

وأشار ويستون إلى أن التصعيد غير المسبوق يوم السبت يؤكد ما كانت تتوقعه الأسواق في ضوء التقارير التي صدرت نهاية الأسبوع الماضي.

وقال بيتر سبينا مؤسس ورئيس موقعي الاستثمار «غولد سيك دوت كوم» و»سيلفر سيك دوت كوم» إن تصاعد التوترات في الشرق الأوسط قد يزيد المخاوف في الأسواق، ما قد يدعم الذهب والفضة بشكل خاص.

وذكر سبينا أنه في حال ظهور موجة بيعية في الأسواق المالية، فإن المعادن الثمينة قد تتلقى بعض الدعم، مع بحث المستثمرين عن طرق لتغطية خسائرهم، متوقعاً افتتاحية قوية للمعادن وسط تقلبات قوية مع محاولة المستثمرين تقييم الموقف.

وبشكل عام، يعتقد محمد العريان كبير المستشارين الاقتصاديين لشركة «أليانز» أن التوترات الأخيرة قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار الذهب والنفط، وهبوط عوائد السندات والأسهم الأميركية بشكل يتجاوز ما كان متوقعاً في حال عدم حدوث هذا التصعيد.

وبينما ترى جين فولي رئيسة استراتيجية العملات الأجنبية في «رابوبنك» أنه بعيداً عن أسعار الذهب والنفط، كانت أسعار الأصول مهيأة مسبقًا للتقليل من شأن التطورات الجيوسياسية في الأشهر الأخيرة، بالإضافة إلى أن نجاح إسرائيل في التصدي للصواريخ الإيرانية قد يتم اعتباره سبباً إضافياً لتقليل النفور من المخاطرة.

لكن فولي لم تستبعد وجود مجال كبير للتقلبات في الأسواق خلال الأسابيع المقبلة، مع تصاعد المخاطر الجيوسياسية المرتبطة بالشرق الأوسط.

كما قال بالاجي سرينيفاسان كبير مسؤولي التكنولوجيا السابق في «كوين باس» إن الأسواق المالية تشعر ببعض الارتياح بشأن وجود إشارات على أن الهجوم الإيراني قد يكون قصير الأجل.

النفط... المتضرر الأكبر؟

يعتقد محللون أن أسعار النفط قد تشهد تداعيات كبيرة بالنظر إلى هيمنة الشرق الأوسط على حصة كبيرة من إمدادات الخام.

وقال تاماس فارجا المحلل في «بي في إم»، إنه من المنطقي توقع ارتفاع أسعار النفط عند استئناف التداولات يوم الإثنين، لكنه أشار إلى أن رد الفعل قد يكون قصير الأجل ما لم تتعطل الإمدادات من المنطقة بشكل ملحوظ.

وذكر جيوفاني ستونوفو المحلل في «يو بي إس» أن أسعار النفط قد ترتفع يوم الإثنين لأن هذه المرة الأولى التي تضرب فيها إيران مناطق في إسرائيل بشكل مباشر.

لكن المحلل أشار إلى أن استمرار صعود أسعار النفط يتوقف على الرد الإسرائيلي، مع ضرورة التركيز على ما إذا كانت الدول الكبرى ستستهدف صادرات طهران من النفط أم لا.

كما ذكر أجاي باجا خبير الأسواق أن الخطر الأكبر الذي يواجه النفط يتمثل في إغلاق مضيق هرمز من قبل إيران، ما قد يعطل تدفق نحو 17 مليون برميل يومياً، ويهدد بتجاوز سعر خام برنت لمستويات 100 دولار للبرميل.

لكن باجا أشار إلى أنه إذا لم يتم تصعيد التوترات بشكل أكبر، فمن المرجح أن يتحول الاهتمام مجدداً إلى أرباح الشركات وتوقعات مسار الفائدة الأميركية.

وكما أشارت ريبيكا بابين كبيرة متداولي الطاقة في «سي إي بي سي برايفت ويلث» إلى أن دخول إيران في الصراع بشكل مباشر يزيد من احتمالات حدوث اضطرابات محتملة في إمدادات الطاقة في المنطقة المسؤولة عن ثلث الإمدادات العالمية من النفط.

ويعتقد أولي هانسن المحلل في «ساكسو بنك» أن أسعار النفط تتضمن بالفعل علاوة مخاطرة، مشيراً إلى أن اتساع هذه العلاوة سيتوقف على التطورات المتعلقة بمضيق هرمز.

وبينما ذكرت «كابيتال إيكونومكس» أن تصاعد التوترات سيضيف أسباباً للاحتياطي الفدرالي لتبني نهج أكثر حذراً فيما يتعلق بموعد خفض الفائدة.

وبافتراض عدم ارتفاع أسعار الطاقة خلال الفترة المقبلة، توقعت الشركة بدء خفض معدلات الفائدة الأميركية في سبتمبر، مع قيام المركزي الأوروبي وبنك إنكلترا بخفض الفائدة في يونيو.

ويرى محللو «كابيتال إيكونومكس» أن الخطر الأكبر يتمثل في التصعيد وكيفية استجابة أسواق الطاقة، لكنهم أشاروا إلى أن الأمر يتطلب زيادة كبيرة ومستدامة في أسعار النفط ليكون له تأثير كبير على السياسة النقدية.

ويظل السؤال الأساسي هو ما إذا كان الصراع بين إيران وإسرائيل سيعود الآن إلى وضعه السابق المتمثل في حرب غير مباشرة طويلة الأمد، أم سيدخل مرحلة جديدة أكثر خطورة.