الشعب قال كلمته ولم يعد هناك ما يقوله بعد مشاركته بنسبة بلغت 62% متمسكاً بالدستور وممتثلاً لتوجيهات سمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد الصباح في مطالبته الناخبين باستخدام حقهم وعدم التفريط فيه، واختيار من يرونه أهلاً للثقة، والآن جاء الدور على رئيس الوزراء والوزراء والنواب في رسم خارطة الطريق للتعاون والإنجاز.

تفاوت آراء الخبراء الدستوريين بين مؤيد ومعارض حول صحة الدعوة لمرسوم تأجيل اجتماع مجلس الأمة وفقاً للمادة 106 من الدستور، لكنها تظل اجتهادات قابلة للنقاش لم تصل إلى مرحلة الحسم لعدم وجود حكم قاطع من المحكمة الدستورية، وفي ظني أن هذا الخلاف كان بالإمكان تجنبه من الأساس لو صلحت النيات وقدمت المصلحة الوطنية، خصوصاً مع اعتذار سمو رئيس الوزراء الشيخ الدكتور محمد صباح، ولضيق الوقت لاختيار رئيس وزراء آخر مع تمكينه من تشكيل حكومة جديدة.

Ad

لست بصدد الدفاع أو التبرير لأي طرف على حساب طرف آخر، فالحالة السياسية العامة التي تمر بها البلاد منذ سنوات رمت بظلالها على معظم مسارات الحياة العامة، ولم يعد هناك متسع من الوقت لتضييعه، فالأوضاع تزداد سوءا يوماً بعد يوم، والآمال التي نعقدها على المجلس والحكومة أضحت أحلاما.

أحياناً التنازل لا يعني الخسارة إذا ما قُدمت مصالح الوطن على ما سواها من المصالح الخاصة، لا سيما من أولئك الذين يتربصون بالدستور للانقضاض عليه ومطالبتهم بتعليقه دون إدراك للمخاطر الإقليمية التي تمر بها المنطقة ولا الظروف المحلية.

اعتذار سمو الشيخ الدكتور محمد صباح السالم عن الاستمرار في الحكومة لا يعني أن الرجل قد فشل في أداء مهمته، وقد تكون قناعته الخاصة بأن هذه المرحلة والظروف لا يسمحان له بإنجاز ما وعد الناس به، وهو بهذا التصرف قدم مصلحة الكويت على مصلحته الشخصية.

لا يختلف اثنان على أن منصب رئيس الوزراء من المناصب المهمة التي من شأنها تغيير بوصلة الدولة نحو إنجازات غير مسبوقة متى ما كان من يتولى هذا المنصب مؤمناً بالدستور وبالمشاركة الشعبية، ومتى ما توافرت فيه صفات القائد الذي يعرف أهمية التعاون مع المجلس ضمن الأطر الدستورية.

على الطرف الآخر هناك من يضع مسؤولية الاستقرار السياسي على عاتق مجلس الأمة بسبب الاصطفاف والمواقف المسبقة وكثرة التدخلات في عمل السلطة التنفيذية وما يترتب عليها من تعطيل لمسارات التنمية.

هذا التحليل قد يلامس الحقيقة إذا ما نظرنا إلى الواقع وللممارسات التي يمتهنها بعض أعضاء مجلس الأمة، لكنه واقع قابل للتغيير متى ما وضعت الحكومة حداً لتدخلات النواب من خلال فرض هيبة القانون، وتطبيق مفهوم التعاون كما نص عليها الدستور وآمنت بحق النواب في التشريع والرقابة.

من القضايا التي على رئيس الوزراء القادم إدراكها ومراعاتها اختيار وزراء دولة يتصفون بالإصرار والعزيمة والقدرة على تنفيذ برنامج العمل الحكومي دون اجتهادات فردية أو مساومات.

دائماً ما ننبه على ضرورة التعاون بين السلطات دون التدخل في أعمالها، ودائماً ما ننبه بأن الإصلاح له وجهان مالي وإداري، وإن كان الإصلاح الإداري كفيلاً بهما، وأن الكويت تعاني أزمة فراغ إداري غير مسبوق مع وجود الكفاءات الوطنية التي دائماً ما يتم تجاوزها بسبب المحاصصة والفرز والإقصاء على الهوية الاجتماعية والمذهبية.

الاستحقاقات كثيرة والأولويات معلومة، ومن يريد الإصلاح فعليه أن يمتثل لنصوص الدستور ويطبق معايير العدالة، وأن يخاف الله في الكويت وشعبها.

وحفظ الله الكويت وأميرها من كل مكروه، ودمتم سالمين.