لم يشارك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الاحتفالات التي جرت في عاصمة رواندا كيغالي بمناسبة مرور ثلاثين عاماً على الإبادة التي ذهب ضحيتها 800000 من قبيلة التوتسي في هذا البلد الإفريقي في تسعينيات القرن الفائت، بل قام هذا الرئيس بنشر رسالة على وسائل التواصل الاجتماعي أهم ما فيها قوله: «كان بإمكان فرنسا وقف الإبادة الجماعية (في رواندا) بالتعاون مع حلفائها الغربيين والأفارقة، ولكنها كانت تفتقر إلى الإرادة للقيام بذلك». وخطت فرنسا بذلك خطوة أساسية ومهمة للاعتراف بمسؤوليتها في هذه الإبادة بعد أن أحجم عدة رؤساء فرنسيين سابقين عن القيام بذلك باستثناء الرئيس السابق نيكولا ساركوزي الذي صرح في أثناء زيارته للعاصمة كيغالي عام 2010 بأنه كان هناك من قبل فرنسا «سوء تقديرات»، وكذلك «شكل من أشكال العمى» بخصوص ما جرى في رواندا.

لقد نُشرت عدة كتب ودراسات عن مسؤولية فرنسا، في عهد الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران، فيما يتعلق بالإبادة التي جرت في رواندا، وتقصير الحكومة الفرنسية وقتها في وقف هذه الإبادة، بل ذهبت بعض الكتابات والتقارير لتحميل هذه الحكومة مسؤولية الاستمرار في أعمال الإبادة من خلال دعم طرف على حساب طرف، دعم قبيلة الهوتو على حساب قبيلة التوتسي.

Ad

ولكن نجح المجتمع الدولي في المقابل، وهو ينجح إذا توافرت الإرادة السياسية وبخاصة للدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، بتأسيس المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، حيث أصدر مجلس الأمن قراره رقم 955 (1994) تاريخ 8 نوفمبر 1994 القاضي بتأسيس هذه المحكمة المؤقتة لمحاكمة المسؤولين عما جرى في رواندا، وكانت تتشكل تلك المحكمة من عشرة قضاة دوليين، وتم اختيار عاصمة تنزانيا أروشا مقرا لها، وشمل اختصاصها النظر في: جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وانتهاكات المادة 3 المشتركة في اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 كون النزاع الذي جرى في رواندا كان حربا أهلية جرت ما بين أعوام 1990 و1994 وتطبق عليها أحكام هذه المادة، وبما أن هذه المحكمة الجنائية هي محكمة مؤقتة مهمتها النظر في الجرائم التي وقعت في رواندا في فترة زمنية محددة، فقد قامت بالمهمة المطلوبة منها وحاكمت عدداً من المسؤولين عما حدث في هذا البلد الإفريقي وأدانت عدداً منهم بتهمة الإبادة الجماعية، وأصدرت آخر أحكامها في 14 ديسمبر 2015، وبعدها أعلن مجلس الأمن انتهاء مهامها بتاريخ 31 ديسمبر 2015.

لماذا اخترنا الكتابة عن موضوع الإبادة الجماعية في رواندا، ولماذا دخلنا في تفاصيله؟ الجواب بسيط وهو على شكل سؤال: هل يمكن الاستفادة من الأحداث المريعة التي جرت في رواندا في تسعينيات القرن الفائت، ومن التجربة القضائية الناجحة التي رافقتها، والاعترافات التي نسمعها الآن من قبل الدول التي كانت متورطة في هذه الإبادة، وبعد مضي ثلاثين عاما، هل يمكن الاستفادة من كل ذلك ونحن في خضم الأحداث الفظيعة التي يعيشها قطاع غزة وسكانه منذ ستة أشهر، وأن نرى صحوة فعلية للضمير العالمي تدفع بالمجتمع الدولي ممثلا بمنظمة الأمم المتحدة لتأسيس محكمة خاصة لمحاسبة المسؤولين عما جرى خلال تلك الأشهر، وتأسيس محكمة على شاكلة المحكمة المؤقتة من أجل رواندا، أو على الأقل محاسبتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية؟ يجب أن نستفيد من الأحداث التاريخية ونتائجها، ولم يعد مقبولا أن نكتفي بالمشاهدة والتحسر والتألم والتضامن وإرسال المساعدات، بل يجب أن يُحاسب المجرم عن جريمته ولو بعد حين.* أكاديمي وكاتب سوري مقيم بفرنسا.