• بداية، حدثينا عن الأجواء التي نشأتِ فيها بالجزائر، وكيف أسهمت في تشكيل رؤاكِ وبناء عالمكِ الروائي.

- عشتُ طفولتي في بداية التسعينيات، في الفترة الأكثر دموية من العشرية السوداء، كنتُ طفلة فتحت عينيها على الدم وأذنيها على التفجيرات وحكايات المجازر والاغتيالات اليومية، كبرتُ وأنا أعاني الخوفِ الدائم من انعدام الأمن، وربما أسهم ذلك في تشكيل بعض الثيمات في رواياتي. من الطبيعي أن يعود الكاتب إلى ذاكرته الأولى، ويكتب عن كل ما تأثر به من صدمات وخوف وعنف، عدا هذا الجانب، أنتمي إلى بلدٍ في شمال إفريقيا، الجزائر ثرية بإرثها الثقافي المتنوع وحضاراتها القديمة وتاريخها، وهذا كلّه ملهم لكتابة العديد من القصص والروايات، المتنوّعة وفي تقديم أدب مختلف بخصوصية تاريخه وثقافتهِ المحلية.
غلاف المجموعة


• دراستكِ للأدب الإنكليزي، كيف ساعدت على توسيع دائرة اطلاعك، من ثم انطلاقكِ في فضاءات السرد؟
Ad


- الرائع بهذا الشأن أنّني استمتعتُ كثيرًا بمجال تخصصي وبسنواتِ دراستي، على عكس آخرين مِمَنْ تورطوا في مجالات لا تشبههم وبعيدة عن ميولهم، كنّا ندرس الأدبين الإنكليزي والأميركي وأدب العالم الثالث المكتوب باللغة الإنكليزية، وهذا أتاحَ لي قراءة العديد من الروايات التي كنتُ أجهلها وتحليلها أيضًا ضمن البحوث والامتحانات التي كنّا نجتازها، والتحليل يساعد الكاتب على القيام بقراءة نقدية والتعرف إلى التقنيات وما يميّز عملاً أدبيًا عن آخر، من فنّيات ومدارس وتوجهات وأيديولوجيات، تلك التراكمات المعرفية ساعدتني لاحقًا كثيرًا في مجال الكتابة بحيث أكتب وأنا أعي الطريقة التي أكتب بها، كما أنّ إتقان لغة ثانية وثالثة جيد دائمًا في قراءة الأعمال المكتوبة بلغتها الأم من دون اللجوء إلى الترجمة، وهذه ميزة رائعة أخرى للتخصص في لغاتٍ أجنبية، أتقنتُ الإنكليزية والفرنسية، وأحلم بتعلم اللغة الإسبانية لأقرأ بها الروايات الإسبانية وأدب أميركا اللاتينية، أتخيّل أنّ ذلك التلقي سيختلف ما يشبه أن تشاهد ممثلًا يؤدي دوره بلغته وبين أن تشاهده وتصغي إلى صوتِ الدبلجة بصوتٍ آخر ولغة أخرى.
غلاف رواية «جيم»


• حينما تشرعين في كتابة عمل جديد، ما الهاجس الرئيس الذي يهيمن عليكِ؟

- الهاجسُ الذي يهيمنُ عليّ وأهم سؤالٍ أطرحهُ على نفسي هو: «هل أنا بصدد كتابةِ عملٍ جيّد؟» الهاجسُ يكمن في أن أكون راضية عن قوةِ النص وأنا أعيد قراءة الفصول التي كتبتُها، راضية عن مسار السرد وفي التقنيات التي أستخدمهُا وفي حال العكس، ما يحدثُ أنّني أتوقف فورًا، أنسحب من الكتابة وأمنح نفسي الوقت اللازم أو أحذف وأعيد الكتابة، كذلك هناك روايات كثيرة تركتُها نهائيًا في منتصفها ولم أعد إليها لأكملها، بل بدلًا عن ذلك أشرعُ في كتابةِ عملٍ جديد، منذ فترة مثلًا انتبهت إلى أننّي قضيتُ يومًا كاملًا في صياغةِ فقرة واحدة من بضع سطور والرواية التي أعمل عليها حاليًا، استغرقت ثلاثة أشهر لأنتهي من كتابةِ فصلها الأول الذي يتألف من ثلاثة أو أربعة صفحات لا أكثر، كنتُ أواجه خللًا غامضًا لم أتعرف عليه، أكتب وأحذف طوال تلك الأشهر وأنا أسعى لأن أفهم، لماذا لست راضية لحد الآن وما الذي يمنعني من المضي في كتابة بقية الفصول؟ رغم أنّ الحكاية موجودة بكامل شخصياتها وتفاصيلها في رأسي، وعندما عثرت على الخلل انطلقت مثل فرس تركض ولم يوقفني شيء.

• تتنوع إبداعاتك بين القصة والرواية، على أي أساس تحدّدين القالب الأدبي الذي تسكبين فيه نصكِ؟

- كي أكون صادقة، أنا روائية أكثر ممّا أنا قاصّة، كتبت القصص في مناسبات قليلة وعفوية عندما اجتمعت في ذهني حكايات تنفع لسردٍ قصير والتي تميّزت بأنّها قصص الثيمة الواحدة في كل من «الدخلاء» و»إبليس يطلب المغفرة»، تتنوع الشخصيات والأمكنة والتفاصيل، لكن الثيمة واحدة تربط بين جميع القصص لكن نفس سردي روائي وطويل، وأنا كاتبة مهووسة بالوصف والتفاصيل، لذا أرتاح أكثر في الرواية لأنّها تمنحني ذلك الفضاء الرحب لكتابة التفاصيل من دون التقيّد بضوابط وفنيات القصة القصيرة.
... وغلاف «على فراش الحياة»


• حرب غزة وضعت أيادي دول عِدة على الزناد، وبدأ كثيرون يتحدثون عن حرب عالمية وشيكة، كيف يمكن للأديب أن يخرس آلات الحرب بسلاح الكلمة؟

- للأسف لا يمكن للكلمة أن تخرس آلات الحرب، ولا يمكنها أن تصلحَ خراب هذا العالم.

• ما الذي يؤرقكِ حاليًا وقد يدفعك إلى الانخراط في تجربة إبداعية جديدة؟

- الظلم الذي يحدث كل يوم، والإنسان الذي كانت خطيئته الأولى هي الولادة، وأن يكونَ إنسانًا ويحمل هذا القدر المحتوم بالتواجد في عالمٍ لا حرية فيه ولاعدالة ولا مساواة ولا رحمة ولا منطق. كل ما يحدث حولنا من إبادة ومجازر وحروب يدفعنا للتساؤل عن طبيعتنا كبشر وتركيبتنا، وأن نجد طرقًا لمقاومةِ القبح والعثور على الجمال في تفاصيل صغيرة، نقاوم بأساليب كثيرة من بينِها أن نقرأ وأن نكتب.