يحكى أن رجلاً يمشي منحنيا متوهما أنه يحمل على ظهره جرة، فرآه أحد الحكماء، وعرف قصته، فأخذ الحكيم جرة، وخاتل الرجل، ومشى وراءه دون أن يشعر، وكسر الحكيم الجرة، وقال للرجل لقد كسرت الجرة التي فوق ظهرك ومن لحظتها اعتدل الرجل في مشيته.

نحن في الكويت نتوهم بأننا نعاني عجزاً من بعض المشكلات سهلة الحل، ونقف موقف العاجز، متوهمين أنه لا يمكن حلها، والكارثة أن المملكة العربية السعودية وقطر ودبي قد كسرت جِرار الوهم ومشت معتدلة على سكة التطوير والإصلاح، وأنجزت المشاريع الكبرى التي ما كان أحد يتخيل إنجازها في سرعة وجودة خارقة للمألوف، ونحن ما زلنا نحمل أوهاما قد جعلتنا نقف من إصلاح أوضاعنا وتطوير واقعنا موقفاً مشلولاً، وكأنه قدر لا يتزحزح، والمأساة أننا نقف عاجزين حتى إزاء مشكلات غاية في الصِّغَر مثل حفر الشوارع، وتفتت الإسفلت، وتطاير الحصى، مما لا نجده حتى في أفقر الدول، ناهيكم عن فوضى المرور وعدم الالتزام بقواعد السير وشروط الأمان، مما يتسبب في الحوادث المميتة والمرعبة، فضلا عن العاهات والخسائر المادية الباهظة، في حين دول قريبة كانت قبل سنوات قلائل لا يعترف شعبها بإشارات المرور ولا يلتزمون بأبسط قواعد السير نجدها الآن الأشد التزاماً بكل قواعد المرور، ولا توجد أي من خطوط السير خارج التغطية الأمنية والمراقبة الدقيقة حتى على الالتزام بحزام الأمان وعدم استعمال التلفون أثناء القيادة أو وجود ورقة على الطبلوم تؤثر على وضوح الرؤية وغيرها من أمور تذهلنا عملية السيطرة عليها ناهيكم عن سرعة توقيع المخالفات وقوتها في الردع ودقة حسابها وتحصيلها.

Ad

نحن لا نزال نحمل أوهام العجز إزاء مشكلاتنا، ويتوغل في كل مجال، ويشمل كل المستويات، فالكل منحن تحت ثقل جِرار الوهم الخاصة به، وإذا دخلنا في العمق الاقتصادي فإننا نرى العجب، فالكل من حولنا أدرك خطورة المستقبل وانخرط الكل في التغيير والتطوير الاقتصادي والاجتماعي ونفض عنه كل أوهام حقبة الدولة الريعية، وكسر كل المعادلات، ولم يرضخ للأوهام العتيقة، ففتح الأبواب أمام قرارات تعد تابوهات قبل ذلك طبعا، تابوهات خلقها الوهم، وربما ألبسها البعض لباس الدين كقيادة المرأة للسيارة تم كسر كل هذه الجِرار، ولم يُصغِ متخذو القرار إلا لصوت المصلحة.

أما نحن فما زلنا عاكفين على أوهامنا القديمة، دولة تدير كل شيء وكل نشاط، وتوفر وظائف وهمية في جهاز متخم حد التورم ببطالة مقنعة بلغت 80% طفحت معها مصاريف الرواتب، لتأكل هي والدعوم الإيرادات النفطية، فنجم عجز آخذ في التصاعد والتراكم بشكل مركَّب طبعا، هذا في ظل مواجهة استحقاقات مستقبلية منها توفير وظائف لما يقرب من 100 ألف خريج كويتي خلال السنوات الأربع القادمة فضلا عن توفير سكن لما يقرب من 150 ألف مستحق للسكن، فضلا عن توسيع وتطوير الخدمات الصحية والتعليمية لتواكب النمو السكاني.

وقد اقترحنا من خلال ما كتبنا في مقالاتنا أن تخصخص الدولة كل القطاع الإنتاجي لإحداث تطوير فعلي لهذه القطاعات والوفر المالي الحالي سيكفي ويفيض لتغطية مصاريف المواطن في المجال الصحي والتعليمي، كما اقترحنا للمواطن تأمينا صحيا بقيمة 1200 دينار وغرس أفضل المستشفيات العالمية وللتعليم رياض الأطفال 2000 دينار وباقي المراحل 4000 دينار مع اعتماد أفضل المدارس... والتوزيع النقدي للدعوم 3 مليارات سنويا وإلغاء معظم الدعوم ما عدا الضروري منها كقرض الزواج وعلاج الخارج ودعم الدراسة في الخارج.

قلنا بعد الخصخصة وإلغاء معظم الدعوم وتوطين العمالة الكويتية في القطاع الخاص سيتوافر للدولة 7 مليارات على الأقل لأن الدولة ستدفع فقط دعم العمالة للعمالة الفائضة بعد الخصخصة، أما السكن فقد اقترحنا الحل السعودي كما في مقالاتنا السابقة فيكون قسط السكن 190 دينارا شهريا والتكلفة بدل 15 مليار لعدد 150 ألف وحدة سكنية ستكون أقل من 5 مليارات والسكن فور الزواح.

فمن يكسر جِرار الوهم؟