قسّم بيان وزارة الداخلية الشارع الكويتي بين منزعج منه ومرحب به، إلّا أن الدوافع الخفية له قد تكون بعكس ما ذهب إليه الفريقان من تحليلات ومخاوف وآمال، فلو قلبنا العدسة، فلربما أرادت الحكومة، ممثلة بوزير داخليتها، التخلص من ضغوط بعض المرشحين والسياسيين والناشطين ممن يتهمونها بالتقصير ويزايدون عليها في موضوع الهوية الوطنية وأعداد المزورين برمي الكرة في ملعبهم بتسهيل إجراءات الإبلاغ عن التزوير لإثبات ما يدعونه، وإلّا فلا حجة لهم بعدها للاستمرار في التكسب من مثل هذه القضية الحساسة، مثلما تفعل هيئة مكافحة الفساد حين تطالب بعض السياسيين ذوي الخيال الخصب بتقديم ما لديهم من معلومات وأدلة على أقوالهم، فتصيبهم السكتة المبدئية، وأمّا عن تزامن إسقاط وسحب بعض الجنسيات مع صدور البيان، فهو أمر معتاد للمتابع في كل عدد من الجريدة الرسمية.

بصرف النظر الآن عن النوايا التي لا يعلمها إلا الله، والقابلة دائماً للتغيّر والتقلب بين ليلة وضحاها في الكويت الحبيبة، إلّا أن اعتراضات بعض المعترضين لا تخلو من الوجاهة، بغضّ النظر أيضاً عن نواياهم ومبادئهم المطاطة ومصداقيتهم المفقودة في سوابق كثيرة، فحق التقاضي مكفول للناس وفق الدستور حتى للمزوّرين، وإن كانت الجنسية من أعمال السيادة، فالأهم منها هو شعور الكويتيين كافة بالإنصاف والعدالة واطمئنانهم لرسوخ عمل الدولة المؤسسي المبني على القوانين والأنظمة، فإن كانت الحكومة جادة، كما تدّعي، في ملاحقة المزورين مهما كانت أعدادهم ولن تترك الأمر ليصبح عملاً موسمياً يتأثر بمزاج عابر أو بلاغ كاذب، فالآن قد يكون أفضل توقيت لها لمأسسة عملها ضماناً لاستمرارها فيه واستكماله وإن تغيّر شخوصها، وذلك بإجراء بعض التعديلات القانونية بواسطة مراسيم ضرورة ترسي القواعد لتحديد الحالات المستهدفة والتفرقة بينها وآلية التعاطي مع نتائج قراراتها لاحقاً، ولا أظنها ستلاقي الرفض من المجلس القادم، ومنها كذلك - على سبيل المثال - تعديل قانون الجزاء فيما يتعلق بتقادم التزوير في قضايا الجنسية، ولتمسك الحكومة العصا من المنتصف بإنشاء دائرة في المحكمة الإدارية للنظر في قضايا سحب الجنسية وإسقاطها على الأقل دون المنح، وهو مطلب قديم ومستحق، فهو وإن كان من أعمال السيادة، إلا أن تراخيص الصحف كانت كذلك في يوم ما، والإجراءات الكبرى المؤثرة في عيشة البشر وحياتهم ومستقبلهم بحاجة أيضاً إلى ضمانات كبرى تقابلها، وقبل كل ذلك إنشاء لجنة معروفة الأعضاء لمراجعة الملفات المشبوهة، تمهيداً لاتخاذ القرارات بشأنها، فإن ارتاب وغضب بعد ذلك أحد، فهو من يقول لكم خذوني.

Ad

الحديث هنا عن التزوير فقط بخلاف الازدواجية التي نظّم القانون آلية التعامل معها، ومن ثم يفترض أنه لا مجال أساساً للتخويف من شرخ بالوحدة الوطنية والفتنة بين مواطن ومزوّر، فالكويت لم تُبنَ على التزوير والمزورين، بل أسسها القبائل والحضر الذين هم أساساً أبناء قبائل سبقوا أبناء عمومتهم في الاستقرار بالمدن والقرى وترك حياة التنقل والترحال، لا أكثر، فلا فضل لأحد منهم على الآخر، فإن تراخت الحكومة يوماً عن أداء دورها في حماية الوحدة الوطنية، كما يعتقد البعض، ومعها من يفضلون العويل في وسائل التواصل للتكسب عوضاً عن المبادرة بسلوك الطريق القانوني، فعلينا بالمقابل وفي كل الأحوال أن نفوّت الفرص على كل مخبول هنا أو مهبول هناك، وعدم الانجرار وراء كل ناعق لا يهمه إلا تحقيق مصالحه أو زيادة أصواته أو متابعيه أو التنفيس عن عُقده وأمراضه بشحن الناس وتأليبهم على بعضهم بتلفيق قصص وأكاذيب وأساطير انتهى زمانها وأكل الدهر عليها وشرب ونام، وبالآخر لن تفيد أو تغيّر في الواقع شيئاً سوى إيغار النفوس وتأليف تاريخ جديد مزوّر ومشحون يلوكه المراهقون والجهلاء والحمقى، فيخلق لديهم صورة ذهنية خيالية عن الآخر بعيدة عن الواقع ولا تنفع بشيء اللهم سوى تعليق الفشل والإخفاقات الشخصية عليها، بينما ما يجمع البشر هنا أكثر مما يفرّقهم، وكفاح أجدادهم المشترك في البر والبحر، من حرب الجهراء إلى رحلات الغوص ومآسيها في عز فقر المال أكبر وأعمق وأكثر صدقاً من مهاترات انتخابية وإعلامية عارضة من فقراء العقل، والذين سيظلون بعد مرورها متقابلين على هذه الأرض يواجهون المصير الواحد إلى أن يرثها الله ومن عليها، وسيبقى دائماً وأبداً...

الناس للناس من بدوٍ وحاضرة

بعض لبعضٍ وإن لم يشعروا خدَمُ

وسلامتكم وتعيشون.