وظل مصطفى في منطقة آمنة، كممثل متميز، لفت الأنظار إلى موهبته في مجمل أعماله، وصفّق له الجمهور بحرارة، لأنه كان بطلًا في دوره، ورفض حصره في اللون الكوميدي فقط، وخايله الحلم أن يُخرج طاقته في ألوان درامية أخرى، ورغم مشواره الفني الطويل، ظل الكثير من توهجه كامنًا في أعماقه.

وانضم الفنان المتميز إلى قائمة طويلة من عمالقة التمثيل المصري، الذين خاصمتهم أدوار البطولة المطلقة، منهم عبدالوارث عسر، وحسن البارودي، وتوفيق الدقن، واستيفان روستي، لكنهم غيروا مجرى التمثيل المصري، بأدائهم التلقائي من دون تكلف، وكان حضورهم كافيًا، ليمنح العمل الفني رونقه، ويقبل عليه الجمهور.

Ad

مولد يا دنيا

قدّم النجم المحبوب نحو 400 عمل فني، ما بين السينما والمسرح والدراما التلفزيونية والإذاعية، من أبرزها أفلام «أرض النفاق»، و«غريب في بيتي»، و«عفريت مراتي»، و«مولد يا دنيا»، و«نص ساعة جواز»، و«عودة أخطر رجل في العالم»، و«الزواج على الطريقة الحديثة»، وشارك في مسرحيات عِدة، منها «حواء الساعة 12»، و«سيدتي الجميلة»، و«مدرسة المشاغبين»، و«العيال كبرت»، و«الكدابين قوي»، و«دو ري مي فاصوليا».

وامتلك رصيدًا هائلًا من المسلسلات التلفزيونية المتميزة، منها «رأفت الهجان»، و«أهلا بالسكان»، و«بكيزة وزغول»، و«أنا وأنت وبابا في المشمش»، و«ترويض الشرسة»، و«مَنْ الذي لا يحب فاطمة؟»، و«يوميات ونيس»، و«عباس الأبيض في اليوم الأسود»، و«يتربى في عزو»، و«البخيل وأنا»، و«شيخ العرب همّام».

وشارك في بطولة العديد من المسلسلات الإذاعية، أشهرها «حسن وحسين وحسانين» مع سعيد صالح ويونس شلبي، و«المؤلف الموهوب برغل خروب» مع زوزو نبيل ووداد حمدي، و«بشندي المقلبنجي» مع حسن حسني، و«الثعبان» مع سميحة أيوب وعبدالوارث عسر، و«عيادة نفسية» مع عبدالمنعم إبراهيم.

المحطة الأولى

وُلِد حسن مصطفى إسماعيل في 26 يونيو 1933، في حي الظاهر بالقاهرة، وأثناء دراسته الأوليّة بمدرسة سليمان جاويش، ظهرت موهبته في الإلقاء والخط العربي، ووقتها كان يستمع في الراديو إلى برنامج «حديث الثلاثاء» لعميد الأدب العربي طه حسين، فأحب في حديثه البلاغة والاستعارات ومترادفات الكلام، و«حديث الأربعاء» للكاتب الصحافي فكري أباظة، بأسلوبه الممتع في كشف السلبيات الاجتماعية، فزاد شغف الصبي الصغير بالقراءة، وإجادة قواعد اللغة العربية.

وحينما انتقل إلى المرحلة الابتدائية، انضم إلى فرقة النشاط المسرحي، وشارك في التمثيل بالعديد من الحفلات خلال مناسبات مختلفة، وبعد حصوله على البكالوريا (الثانوية العامة حاليًا)، عُين في وظيفة كاتب بإدارة المستخدمين في إحدى الوزارات براتب بسيط لا يتجاوز 9 جنيهات شهريًا.

وقاده طموحه للابتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وفي أثناء دراسته تعرّف على المخرجين الكبيرين السيد بدير ونور الدمرداش، وكان الأخير يقوم بإخراج مسرحية لنجم الكوميديا إسماعيل يس، وساعده الاثنان في دخول عالم الفن، وأصبح ممثلًا في فرقة يس عام 1954، وبعد تخرجه في المعهد عام 1957، ترك وظيفته وقرّر احتراف التمثيل.

واستمر حسن مصطفى مع فرقة إسماعيل يس، وقدّم من خلالها أدوارًا ثانوية، لكنها كانت تجربته الأولى في الوقوف على خشبة المسرح، كممثل محترف، واكتسب خبرة كبيرة في مواجهة الجمهور، ووقتها ضمت الفرقة عددًا كبيرًا من النجوم، منهم محمود المليجي، وعبدالفتاح القصري، وشكري سرحان، وسناء جميل، وزينات صدقي.

مطرب العواطف

وفي مرحلة لاحقة، وتحديدًا في عام 1960، انضم إلى فرق التلفزيون المسرحية مع السيد بدير، وشارك في العديد من المسرحيات منها «مطرب العواطف» (1963)، تأليف سمير خفاجي وإخراج عبدالمنعم مدبولي، وبطولة محمد عوض ومحمد رضا، وعقيلة راتب، وميمي جمال.

وتألق الممثل المجتهد في الأداء التراجيدي، حين جسّد شخصية «العُمدة» في مسرحية «الأرض»، تأليف عبدالرحمن الشرقاوي، وإخراج سعد أردش، وبطولة كريمة مختار، وحمدي غيث، وعبدالوارث عسر، وحمدي أحمد.

وتدور أحداث المسرحية في إحدى القرى المصرية خلال عام 1933، حين يبلغ «العُمدة» الفلاحين أن حصة ري أراضيهم قد صارت مناصفة بينهم وبين محمود بك الإقطاعي، لكنهم يثورون على هذه التعليمات، وعلى رأسهم محمد أبوسويلم، ويقترح محمد أفندي تقديم عريضة إلى الحكومة، ويسافر إلى القاهرة لمقابلة محمود بك لتقديم العريضة، وتتفاقم الأمور عندما يقترح محمود بك إنشاء طريق يربط بين قصره والشارع الرئيس، ما يستلزم انتزاع جزءٍ من أراضي الفلاحين.

وخلال رحلته مع فرقة التلفزيون، جسّد حسن مصطفى شخصية «رئيس تحرير» إحدى الجرائد الصفراء، في المسرحية الكوميدية «أصل وصورة» (1953)، تأليف سمير خفاجي وإخراج عبدالمنعم مدبولي، وبطولة محمد عوض وأمين الهنيدي، ونجوى سالم، ونبيلة السيد، وميمي جمال، ونبيل الهجرسي، واستمر عرضها لشهور طويلة.

وتتناول «أصل وصورة» في قالب كوميدي ساخر، أوضاع الصحافة في الماضي، وسيطرة الأدعياء على المهنة، وتوجيهها نحو مصالحهم الشخصية من دون اعتبار للمصداقية واهتمامات القراء.

جوزين وفرد

وشارك مصطفى في مسرحية «جوزين وفرد»، تأليف سمير خفاجي، وتمثيل وإخراج عبدالمنعم مدبولي، وشارك في البطولة سهير البابلي وأمين الهنيدي، وتدور حول مهندس يعاني بسبب زوجته التي تشك بمروره بحالة غير طبيعية، فيتوّلد لديه إحساس مماثل تجاهها، فيستعين كل منهما بنفس الطبيب النفسىي لعلاج الآخر، وتتوالى الأحداث عبر مفارقات كوميدية.

كشف حسن مصطفى عن موهبته المتفردة، وأصبح من نجوم فرق مسرح التلفزيون، وتنقل بين أدوار تراجيدية وكوميدية، وفي تلك الفترة، كان يتقاضى 25 جنيهًا راتبًا شهريًا، وتعرّض للعديد من المواقف الفارقة في حياته الفنية، وكاد يترك مسرح التلفزيون، لكنّ صديقه الفنان محمود مرسي نصحه بالاستمرار، وفي أحد العروض كان يجلس في الصف الأول وزير الإعلام آنذاك، عبدالقادر حاتم، وبعد انتهاء العرض، فوجئ مصطفى بمدير مكتب الوزير، يبلغه بأن يأتي غدًا لمقابلة الوزير، وذهب في الموعد المحدّد، وتصادف وجود المطرب عبدالحليم حافظ، ورحّب به العندليب، وأثنى على أدائه المتميز.

ورغم سعادته بمقابلة المطرب الشهير، ظل القلق يساوره في اللقاء المرتقب مع الوزير، ولكن الأخير أشاد بموهبته، وطلب من المسؤول عن مسرح التليفزيون أن يزيد راتبه، ويخصّص له سيارة لتقله من منزله إلى المسرح، واستمر مع الفرقة حتى عام 1963.

فرقة الفنانين المتحدين

كان حسن مصطفي شاهدًا على تحولات فارقة في تاريخ المسرح المصري، ولعب دورًا كبيرًا خلف الكواليس في التمهيد لتأسيس فرقة الفنانين المتحدين، حين دعا صديقه الكاتب والمنتج سمير خفاجي، لتكوين فرقته الخاصة، وكان لخفاجي تجربة سابقة مع فرقة «ساعة لقلبك» لكنه رفض الفكرة، ووقتها كان المسرح القومي يعيش عصره الذهبي، وأغلقت كثير من الفرق الخاصة أبوابها، منها فرقة إسماعيل يس، وفرقة مسرح رمسيس لمؤسسها الفنان يوسف وهبي.

وبعد رفض خفاجي، تحدّث حسن مصطفى مع يوسف عوف وفؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولي لكي يقنعوه.

وبعد مشاورات استغرقت أيامًا طويلة، تأسست فرقة «الفنانين المتحدين» عام 1965، وكان حسن مصطفى أحد أعضائها البارزين على مدى سنوات طويلة، وشارك في أهم عروضها المسرحية التي حققت نجاحًا كبيرًا، وبدأها بمسرحية «حواء الساعة 12«(1968)، تأليف سمير خفاجي وإخراج عبدالمنعم مدبولي، وجسّد مصطفى شخصية «الدجّال مخلوف» أمام فؤاد المهندس، وشويكار، وزهرة العلا، وعبدالله فرغلي، ومحمد يوسف.

وتدور أحداث المسرحية حول كاتب روائي يُدعى «سامي الباجوري» يعاني الغيرة الزائدة لزوجته «محاسن»، حتى أنها تغار عليه من زوجته المتوفاة «فكرية»، ويباغته ظهور شبح زوجته الأولى ويصير في موقف صعب، ولا يستطيع الانتهاء من كتابة روايته الجديدة، وتتابع الأحداث عبر مفارقات كوميدية.

مسرح الاقتباس

وجسّد مصطفي دور «كمال» في مسرحية «سيدتي الجميلة»، وتعد من كلاسيكيات المسرح الكوميدي المصري، واقتبسها سمير خفاجي من «بيجامليون» للكاتب الإنكليزي جورج برنارد شو، وأخرجها حسن عبدالسلام، ووضع الألحان والموسيقى حلمي بكر، وشارك في بطولتها فؤاد المهندس، وشويكار، وسيد زيان، وفاروق فلوكس، ونظيم شعراوي، وجمال إسماعيل.

واستمر عرض «سيدتي الجميلة» لنحو ثلاثة أشهر، وتم تصويرها تلفزيونيًا في مسرح الأوبرا بمدينة الإسكندرية، وحققت نجاحًا جماهيريًا كبيرًا، وما زالت تحقق نسبة عالية من المشاهدة، عند عرضها على شاشات القنوات الفضائية.

سر زيارة «الناظر» للنجم أحمد زكي في ممر «بهلر»

حقّق الفنان حسن مصطفى مكانة مميزة في الوسط الفني المصري، وكان بمثابة الأب والشقيق الأكبر لأجيال من الفنانين، وارتبط بصداقات وطيدة مع عدد كبير من زملائه، وساهم بوعيه وموهبته الفارقة في الارتقاء بفن الكوميديا، وتجاوب معه الجمهور في أعماله، سواء على الشاشة وخشبة المسرح.

وشهد حسن مصطفى بدايات الكثير من النجوم، منهم النجم أحمد زكي، حين لفت الأنظار بدوره الصغير في مسرحية «هالو شلبي»، وبرع في تقليد الفنان محمود المليجي، ووقتها تنبأ له مصطفى بمستقبل باهر في عالم التمثيل.

والتقى النجمان في مسرحية «مدرسة المشاغبين»، وأثار انتباه مصطفى مدى جدية أحمد زكي في مراجعة دوره قبل الصعود إلى خشبة المسرح، وتوطدت صداقتهما رغم فارق السن، ووقتذاك كان زكي يسكن وحيدًا في شقة صغيرة بممر بهلر في وسط القاهرة، واعتاد مصطفى أن يزوره هناك، وكان بمثابة شقيقه الأكبر.

واستمرت الصداقة والتعاون الفني بينهما، وشارك أحمد زكي في مسرحية «العيال كبرت» بطولة سعيد صالح وكريمة مختار ويونس شلبي، وحققت نجاحًا كبيرًا.

طه حسين يهدي «الأيام» لتلميذ مدرسة «جاويش»

التحق حسن مصطفى بمدرسة «جاويش» الابتدائية، وعشق اللغة العربية، وكان حسب وصفه «يشربها كالماء ويتنفسها كالهواء». وعندما اشترى والده جهاز راديو، كان مصطفى يستمع إلى «حديث الأربعاء» لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، وأحب في حديثه البلاغة والاستعارات ومترادفات الكلام.

كما كان يستمع للكاتب الصحافي فكري أباظة، واستفاد من تناوله لقضايا اجتماعية مهمة بأسلوب بسيط، وتشكَّل وعيه في تلك المرحلة المبكرة من حياته، ولذلك شعر أساتذة مصطفى بحبه للغة العربية، وكانوا يختارونه لإلقاء الخطب المدرسية كما ألحقوه بفرقة التمثيل المدرسية.

وذات يوم زار الدكتور طه حسين، مدرسة «جاويش» ووقتها كان وزيرًا للتعليم، واستقبله ناظر المدرسة الدكتور حسين مؤنس، صاحب المؤلفات الفكرية والأدبية، وألقى التلميذ حسن مصطفى خطبة أمام الوزير، وبرع في مزجها بالترنيم والتنغيم وسلامة قواعد النحو والصرف والنطق المميز لمخارج الحروف.

وعندما سمعه عميد الأدب العربي، سأل عن اسمه فأجابه: «حسن مصطفى إسماعيل عبدالباسط شريف»، فابتسم له طه حسين وسأله: «كيف نطقت اللغة العربية بكل هذه البراعة؟ أنت مميز»، ثم أهداه كتابه «الأيام» وكتب له عليه: «إلى الطالب النجيب». وكان لتلك المقابلة عظيم الأثر على نفسية حسن مصطفى، وظل يتذكرها طيلة حياته.

«ملواني» يلعب دور «الناظر» بدلًا من عبدالمنعم مدبولي

تألق الفنان حسن مصطفى في أداء شخصية «الناظر» بمسرحية «مدرسة المشاغبين» (1971)، تأليف علي سالم وإخراج جلال الشرقاوي، وشارك في البطولة عادل إمام، وسهير البابلي، وسعيد صالح، وأحمد زكي، ويونس شلبي، وهادي الجيّار، ونظيم شعراوي.

وأثناء عرض «المشاغبين» طرأ عليها الكثير من التحولات، بدءًا من اعتذار النجمة نيللي عن دور «المُدرسة عفت»، وحلت بدلًا منها سهير البابلي، واعترض الفنان عبدالمنعم مدبولي على إطالة وقت العرض لأكثر من أربع ساعات كل ليلة لزيادة جرعة «الأفيهات» من الفنانين الشباب، وحين تكرر ذلك، قرّر الانسحاب من دور «الناظر». واستشعر حسن مصطفى مدى تأثير ذلك في المسرحية، وحينها كان يلعب دور «الأستاذ ملواني»، وسارع بإبلاغ الأمر لصديقه منتج المسرحية سمير خفاجي، فأسند إليه دور الناظر، وتألق على مدى العروض التالية، بينما لعب الفنان عبدالله فرغلي دور «ملواني» واكتملت عناصر النجاح للمسرحية، واستمر عرضها ست أعوام.