في وقت يواصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الدعوة لعدم استبعاد نشر قوات غربية في أوكرانيا وضرورة لجوء الحلفاء الغربيين إلى «عمليات على الأرض» في مرحلة ما لمواجهة القوات الروسية، أكد رئيس أركان الجيش الفرنسي بيير شيل، أن جيش البر جاهز ومستعد لخوض أي معارك أو عمليات محتملة، مع إمكانية نشر 20 ألف جندي في غضون 30 يوماً لحماية مصالح فرنسا وحلفائها الأوروبيين.

وقال شيل، في مقال نشرته صحيفة «لوموند» الفرنسية، إن قوات جيش البر الفرنسي تحظى بتدريبات جيدة ومتطورة، وهي مستعدة للعمل مع أي جيش حليف، مشيراً إلى أن بداية 2024 تميزت بتوترات دولية وأزمات، ما يؤكد ضرورة تطوير وتكييف قوات الجيش على مهام وعمليات جديدة.

Ad

وحذر من أنه على النقيض من التطلعات السلمية للبلدان الأوروبية، فإن الصراعات التي تدور رحاها على حدود أوروبا لا تشهد على عودة الحرب بقدر ما تشهد على ديمومتها كوسيلة مقبولة لحل الصراعات.

وأضاف أنه على أرض الواقع أصبحت عودة العنف الحربي واضحة، مما يعكس ضعف القواعد الدولية، حيث يرافق هذا العنف الحربي تطور تكنولوجي أضاف أشكالاً جديدة للصراع، ولم تعد تقتصر الحرب على القتال بالأيدي في الخنادق، بل باتت تشمل أيضاً هجمات سيبرانية، والتلاعب بالمعلومات، وصواريخ فائقة السرعة وضربات جوية منخفضة التكلفة.

تغيير السلم

وتقود الصراعات الحالية، وفق شيل، إلى إعادة النظر في مفهوم حجم القوة، فقد انتهى الوقت الذي كان بالإمكان فيه تغيير مجرى التاريخ بـ300 جندي. لم تعد هناك «حروب صغيرة» بعد أن أصبح الوصول إلى بعض التقنيات المتقدمة أمراً متاحاً للجميع، ولعل أبرز مثال على ذلك هي ميليشيات الحوثي، التي تدعمها إيران، على حرية الحركة في البحر الأحمر بصواريخ عالية التقنية مضادة للسفن.

وجاء في المقال، إنه في مواجهة توازن القوى والأشكال الجديدة للحرب، تتمتع فرنسا بنقاط قوة كبيرة. ونظراً لجغرافيتها وازدهارها داخل الاتحاد الأوروبي، لا يوجد خصم يهدد حدودها، فيما يظل التحدي الذي يواجه سيادة الأراضي الفرنسية خارج فرنسا هامشياً، فالردع النووي يحمي مصالحها الحيوية.

ومع ذلك، فإن فرنسا ليست محصنة ضد التوترات التي تظهر في جميع أنحاء العالم، حيث لديها مسؤوليات دولية، ومصالح وأقاليم في كافة المناطق الجغرافية، وترتبط باتفاقيات دفاعية مع دول تواجه تهديدات كبيرة. ولحماية نفسه والدفاع عن مصالحه، يستعد الجيش الفرنسي لأصعب الاشتباكات تحت شعار (إذا كنت تريد السلام، استعد للحرب).

إن التضامن الاستراتيجي مع حلفائها، وخاصة في أوروبا وداخل منظمة حلف شمال الأطلسي، يتطلب من فرنسا أن يكون لديها قوات مدربة وقابلة للتشغيل المتبادل مع جيوش الحلفاء، خاصة وأن الردع النووي ليس ضمانة عالمية، ولا يغني عن الاشتباكات. ويأخذ جيش البر الفرنسي هذا الوضع الاستراتيجي وتغير سلم وحجم الحروب بعين الاعتبار، حيث باتت المصداقية العسكرية تتلخص في سرعة استجابة ونشر القوات لتنفيذ عملية واسعة النطاق.

ارتفاع في المستوى

تتمتع فرنسا بقدرة على إشراك فرقة في تحالف، أي حوالي 20 ألف رجل، في غضون 30 يوماً، كما تمتلك الوسائل اللازمة لقيادة فيلق، أي ما يصل إلى 60 ألف رجل، بين فرنسيين وقوات حليفة.

ويعد مقر الفيلق الهيكل الأساسي لتوجيه العمليات البرية بكثافة متفاوتة، بدءاً من إدارة الأزمات أو مراقبة روتينية إلى مشاركة عالية الكثافة. إنها أداة القوة القادرة على جذب الشركاء، أو الأداة الدبلوماسية والعسكرية التي تسمح لفرنسا بالانخراط بشكل مستقل كدولة إطارية داخل الناتو، وكذلك ضمن أي تحالف آخر متخصص.

إن التحرك نحو وسائل قيادة أكثر كفاءة وقدرات انتشار أكبر يشير إلى الرغبة العسكرية في التأثير في لعبة القوى، وقد نجحت فرنسا، وفق شيل، في تطوير قواتها لتحافظ على حريتها في العمل، وتأخذ زمام المبادرة في أي عملية محتملة. ويشكل هذا الطموح جوهر المصداقية الفرنسية في منظمة حلف شمال الأطلسي، وداخل الاتحاد الأوروبي.

لم يعد الوقت مناسباً فقط لتحليل الصراعات، وبات جيش البر الفرنسي جاهزاً لضمان أمن الفرنسيين والمساهمة في أمن حلفائهم، وخصوصاً الأوروبيين.

لقد انخرط جيش البر الفرنسي في عملية تحول واسع تعزز قدراته وتقوي تنظيمه، ويجسد هذا الجيش قوة الأمة وقيمها في المدن التي يحميها، وفي تدريباته أو عملياته، وهو فخور بانضمام نسبة كبيرة من الشباب إلى صفوفه. إنه جاهز، ومهما كانت تطورات الوضع الدولي، يمكن للفرنسيين أن يقتنعوا بأن جنودهم مستعدون وجاهزون.