مع انحسار الدعم المطلق والتأييد غير المحدود من الرئيس الأميركي جو بايدن لرئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، وخروج خلافاتهما إلى العلن حتى باتت مادة خصبة لوسائل الإعلام بشكل شبه يومي، سقطت في الجهة المقابلة - بشكل مفاجئ - ورقة التوت التي كانت تغطي الخلافات الفلسطينية العتيقة بين حركتَي فتح وحماس.

وبعد اعتراض «حماس» وحلفائها على تكليف الرئيس الفلسطيني محمود عباس يوم الخميس عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، محمد مصطفى، تشكيل حكومة جديدة خلفاً لرئيس الوزراء المستقيل محمد اشتيه، شنّت حركة فتح ليل الجمعة - السبت هجوماً حاداً عليها، واتهمتها بالتسبب في إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة.

Ad

وقالت «فتح» في بيان: «من تسبب في إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة، وتسبب بوقوع النكبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، خصوصاً في قطاع غزة، لا يحق له إملاء الأولويات الوطنية»، مؤكدة أن «المفصول الحقيقي عن الواقع وعن الشعب هي قيادة حركة حماس، التي لم تشعر حتى هذه اللحظة بحجم الكارثة التي يعيشها شعبنا المظلوم في قطاع غزة وبقية الأراضي الفلسطينية».

وأعربت «فتح» عن استغرابها واستهجانها لحديث حماس عن التفرد والانقسام، وتساءلت: هل شاورت «حماس» القيادة الفلسطينية أو أي طرف وطني فلسطيني عندما اتخذت قرارها القيام بمغامرة السابع من أكتوبر الماضي، التي قادت إلى نكبة أكثر فداحة وقسوة من نكبة 1948؟ وهل شاورت «حماس» القيادة الفلسطينية وهي تفاوض الآن إسرائيل وتقدّم لها التنازلات تلو التنازلات؟

واعتبرت «فتح» أن «حماس» لا هدف لها سوى أن تتلقى قيادتها ضمانات لأمنها الشخصي، ومحاولة الاتفاق مع (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو مجدداً، للإبقاء على دورها الانقسامي في غزة والساحة الفلسطينية.

اعتراض «حماس»

وكانت «فتح» ترد على بيان مشترك لـ «حماس» وحركة الجهاد والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، اعترضت فيه على تكليف مصطفى بتشكيل الحكومة.

وجاء في البيان المشترك أن «الأولوية الوطنية القصوى الآن هي لمواجهة العدوان الصهيوني الهمجي وحرب الإبادة والتجويع التي يشنّها الاحتلال ضد شعبنا في قطاع غزة، والتصدي لجرائم مستوطنيه في الضفة الغربية والقدس المحتلة، خاصة المسجد الأقصى، وللمخاطر الكبيرة التي تواجه قضيتنا الوطنية، وعلى رأسها خطر التهجير الذي لا يزال قائماً».

واعتبر البيان أن «اتخاذ القرارات الفردية، والانشغال بخطوات شكلية وفارغة من المضمون، كتشكيل حكومة جديدة من دون توافق وطني، هي تعزيز لسياسة التفرد، وتعميق للانقسام، في لحظة تاريخية فارقة، أحوج ما يكون فيها شعبنا وقضيته الوطنية إلى التوافق والوحدة، وتشكيل قيادة وطنية موحدة، تحضّر لإجراء انتخابات حرة ديموقراطية بمشاركة جميع مكونات الشعب الفلسطيني».

وأضاف البيان: «هذه الخطوات تدلل على عمق الأزمة لدى قيادة السلطة، وانفصالها عن الواقع، والفجوة الكبيرة بينها وبين شعبنا وهمومه وتطلعاته، وهو ما تؤكده آراء الغالبية العظمى من شعبنا التي عبّرت عن فقدان ثقتها بهذه السياسات والتوجهات».

بايدن ونتنياهو

وعلى الجهة المقابلة، بدأ بايدن فعلياً في معاقبة نتنياهو بتقليص تزويده بالأسلحة الضرورية لمواصلة الهجوم على غزة. وكشفت قناة كان العبرية، أمس، عن تراجع وتيرة تزويد واشنطن لإسرائيل بالمساعدات العسكرية، ونقلت عن مصدر إسرائيلي قوله إن «هناك نقصاً في قذائف 144 و122، ولا نعلم سبب التراجع بالإمدادات العسكرية، إلا أننا نعي الشعور الأميركي بالإحباط إزاء الحرب في غزة».

ورفع الرئيس الأميركي الضغط العلني على نتنياهو بإشادته بخطاب زعيم الديموقراطيين في مجلس الشيوخ، اليهودي تشاك شومر، الداعي إلى إجراء انتخابات جديدة في إسرائيل.

وفي ظل تصاعد الخلافات ووصولها إلى حد التراشق اللفظي، أعلن نتنياهو تحديه لبايدن بموافقته على خطط الاجتياح البري لمدينة رفح المكتظة بأكثر من مليون ونصف المليون نازح.

وعلى الفور، طلب البيت الأبيض الاطلاع على خطة نتنياهو لتنفيذ العملية، مؤكداً أنه لن يؤيد أي تحرُّك يفتقر إلى اقتراحات «ذات صدقية»، بهدف تأمين الحماية لأكثر من 1.5 مليون فلسطيني.

بدوره، أعاد وزير الخارجية أنتوني بلينكن تأكيده أن أي عملية في رفح ستتطلب خطة موثوقة وقابلة للتنفيذ لإجلاء ورعاية 1.5 مليون شخص في المدينة، وأن «الإدارة الأميركية لم تتلق مثل هذه الخطة حتى الآن»، وأوضح أن جهود واشنطن مستمرة مع الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية ودول المنطقة، بهدف تقريب وجهات النظر وسد الفجوات، بُغية التوصل إلى اتفاق يضمن إطلاق سراح الأسرى وإيصال المساعدات الانسانية لغزة.

وبينما أعلن مكتب نتنياهو أنه سيرسل وفداً إلى الدوحة لبحث مقترح قدمته حركة حماس للوسطاء من مرحلتين يشمل هدنة تستمر 6 أسابيع، والإفراج عن 42 رهينة، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي: «نظهر تفاؤلا حذراً بأن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح»، لافتاً إلى أن اقتراح «حماس» يندرج «ضمن حدود» ما ناقشه المفاوضون خلال الأشهر الأخيرة.

وأوضحت «حماس» أنها مستعدة للإفراج عن 42 إسرائيلياً من النساء والأطفال وكبار السن والمرضى مقابل تحرير 20 إلى 30 أسيراً مقابل كل واحد و30 إلى 50 فلسطينياً مقابل كل جندي محتجز لديها.

كذلك، تشمل المرحلة الأولى «الانسحاب العسكري من كل المدن والمناطق المأهولة في قطاع غزة، وعودة النازحين من دون قيود، وتدفق المساعدات بما لا يقل عن 500 شاحنة يومياً».

مساعدات بحرية

في موازاة ذلك، أعلنت الإمارات وصول أول سفينة مساعدات إنسانية إلى غزة عبر الممر البحري الجديد من قبرص، موضحة أنها تحمل على متنها 200 طن من الإمدادات الغذائية والإغاثية.

وأفرغت السفينة «أوبن آرمز»، التي أرسلتها الإمارات بالتعاون مع مؤسسة المطبخ المركزي العالمي (وورلد سنترال كيتشن) وقبرص، حمولتها بالكامل أمس، ويجري تجهيز المساعدات لتوزيعها في غزة بعد تحميلها على شاحنات.

وفيما تحذّر الأمم المتحدة من مجاعة وشيكة في قطاع غزة، خصوصاً بمناطق الشمال الأكثر معاناة من الجوع ونقص الماء وسوء التغذية، أكدت المؤسسة أنها تقوم بإعداد سفينة ثانية تحمل 240 طناً من المساعدات الغذائية للإبحار إلى غزة من ميناء لارناكا، تشمل المعلبات والحبوب والأرز والزيت والملح والتمور الطازجة من الإمارات إلى سكان غزة».

وقال الجيش الإسرائيلي إن قواته «انتشرت لتأمين المنطقة، والسفينة خضعت لفحص أمني كامل»، مؤكداً أن دخول المساعدات الإنسانية بحراً «لا ينتهك» حصاره لغزة.

في الأثناء، أكد الناطق باسم وزارة الصحة بغزة، أشرف القدرة، صباح أمس، مقتل 36 بينهم أطفال ونساء في ضربة على منزل لجأ إليه نازحون في النصيرات، ليرتفع المجموع خلال 24 ساعة إلى 123.

من جهتها، قالت هيئة شؤون الأسرى إن «قوات الاحتلال اعتقلت نحو 7605 مواطنين من الضفة، منذ بدء العدوان على غزة، في 7 أكتوبر الماضي، وأوضحت أن «هذه الحصيلة تشمل من جرى اعتقالهم من المنازل، وعبر الحواجز العسكرية، ومن اضطروا لتسليم أنفسهم تحت الضغط، ومن احتُجزوا كرهائن».