قدّم العلايلي نحو 65 مسلسلًا تلفزيونيًا، وكان ينتقي الموضوعات التي تناقش مشكلات المجتمع والأسرة والأحداث التاريخية، لذا قدّم أعمالًا متميزة، منها «العنكبوت» (1973)، و«قال البحر»، و«عبدالله النديم» (1982)، و«بوابة المتولي» (1985)، و«بوابة الحلواني» - الجزء الثاني (1994)، والثالث (1997). و«سنوات الحب والملح» (2010).

خفق قلب عزت بالحب مرة واحدة، وكانت محبوبته تمتُّ له بصِلِة قرابة، ووقتها كان يسكن في ضاحية السيدة زينب، بينما تسكن هي في منطقة شبرا (شمال القاهرة)، ورغم المسافة البعيدة بينهما، فإنّه أحبها منذ صغره، ونوى الزواج منها، وظل يستغل المناسبات والأعياد لزيارتها في المنزل، حتى تقدَّم لها بشكل رسمي، وتزوجها عام 1963.

Ad

وأصبحت السيدة سناء الحديدي شريكة عمره، وأم ولديه محمود ورحاب، واستطاعت أن توازن بين مهنته في التمثيل التي تجعله مشغولًا دائمًا وأبنائهما، فكانت العنصر الأهم في الأسرة، والداعم الأكبر له ولابنيهما.

واستمر زواجهما نحو 54 عامًا، حتى رحيل السيدة سناء في يوليو 2017، فتأثر العلايلي بشدة لفراقها، ودخل في نوبة حزن عميقة، وذكر أنه كانت بينهما أحلام طفولية وشبابية وكهولية أيضًا، وعاشا معًا أجمل أيام العمر، وصنعت من أجله كل خير ومودة وحب، كانت معطاءة له بلا حدود، حتى اللحظات الأخيرة في حياتها.

واعترف العلايلي بأن رحيلها كان أكثر حدث زلزل كيانه، وأصبحت الحياة من دونها صعبة، ولا يحتمل أن يستيقظ كل صباح ولا يجدها معه، وبرحيلها أخذت معها كل شيء، فقد كانت بالنسبة إليه «كل شيء».

رحلت الزوجة وتركت للعلايلي أهم شخصين في حياته، محمود ورحاب، فدرس محمود طب الأسنان منذ سنوات طويلة، فضلًا عن تجاربه القليلة في تقديم البرامج والتمثيل، لكنّه تراجع عن تلك الخطوة لاحقًا، واكتفى بعمله كطبيب. والابنة رحاب تعمل في مجال الموضة والأزياء.

كان العلايلي شديد التعلق بأحفاده، ويحرص على مقابلتهم باستمرار، وأنهى حفيده عادل (نجل ابنته رحاب)، دراسته في الأكاديمية البحرية، ويعمل مهندسًا، بينما درست حفيدته مريم (ابنة نجله محمود) الشؤون القانونية في باريس وتعمل بالمحاماة.

حقائق وشائعات

اتسمت حياة العلايلي بالاستقرار والدفء الأسري، ولذلك خلت من الشائعات التي طاردت الكثير من نجوم الفن، وكان لا يهوى السهرات والحضور في المناسبات الفنية العامة، باستثناء القليل منها، وعشق الهدوء والقراءة، ومتابعة الأحداث الفنية والإخبارية أمام شاشة التلفزيون، وكان يقضي كثيرًا من أوقاته في غرفة مكتبه.

كانت لديه قناعة تامة بأن الفنان قدوة، وأن الجمهور يتأثر به، مما جعله أكثر حرصًا في كل تصرفاته. وبعد وفاة زوجته ترددت شائعات عن زواجه، وطرحوا أسماء فنانات، واكتفى بالضحك مما يقولون، لأنه لا توجد امرأة تستطيع أن تملأ فراغ زوجته، ورغم أنها لم تظهر معه في أي مناسبة، ولم تحضر عرض أي فيلم، ورغم محاولات البعض إحداث وقيعة بينهما، فإنهما عاهدا نفسيهما منذ البداية على الصدق والمصارحة، وكان لديها ثقة كاملة به، فلم تشعر يومًا بغيرةٍ من أي ممثلة أو معجبة.

لا تقتلوا الحب

في السنوات الأخيرة من حياته، أصبح العلايلي مقلًا في أعماله السينمائية، وظهر في ثلاثة أفلام فقط، أولها «لا تقتلوا الحب» (2000)، تأليف مصطفى جمعة وإخراج يوسف أبوسيف، وشارك في بطولته مع عبير صبري وتيسير فهمي. وفي العام التالي، شارك في بطولة «جرانيتا»، تأليف ناصر عبدالرحمن وإخراج عمر عبدالعزيز، وجسّد فيه دور الأب أمام هشام سليم وزيزي البدراوي وليلى شعير.

وكان آخر ظهور سينمائي للعلايلي في فيلم «تراب الماس» (2018)، تأليف أحمد مراد وإخراج مروان حامد، وجسّد شخصية «محروس برجاس» أمام مجموعة من النجوم الشباب والكبار، منهم منّة شلبي وآسر ياسين وماجد الكدواني ومحمد ممدوح وإياد نصار وشيرين رضا وصابرين.

وسجل العلايلي حضوره الأخير في دراما الشاشة الفضية، حين شارك مع النجمة ميرفت أمين بطولة مسلسل «قيد عائلي» عام 2019، قصة محمد رجاء وسيناريو ميشيل نبيل وإخراج تامر حمزة، وضمّ العمل مجموعة كبيرة من النجوم، منهم بوسي وصلاح عبدالله وصبري فواز ونضال الشافعي ومنّة فضالي.

المحطة الأخيرة

وفي يوم الجمعة 5 فبراير 2021، رحل عزت بشكل مفاجئ، عن عمر ناهز 87 عامًا، وأحدث الخبر صدمة لزملائه وجمهوره، وامتلأت صفحات مواقع التواصل بكلمات الرثاء المعبّرة عن بالغ الحزن، وقالت وزيرة الثقافة المصرية آنذاك، إيناس عبدالدايم، في بيان: «إن الفنان الراحل له العديد من المواقف الوطنية التي تعدّ نموذجًا للإخلاص للوطن والفن، فأحبه واحترمه الملايين». وكتب الفنان محمد صبحي على صفحته بموقع فيسبوك «الفنان المحترم والصديق والزميل رحمه الله، ستظل أعماله وإبداعاته تعيش بيننا».

وكان العلايلي في قمّة نشاطه وحيويته حتى الأيام الأخيرة، وسرت شائعة أنه أصيب بفيروس كورونا، وحسم نقيب المهن التمثيلية المصرية، أشرف زكي، الجدل، ونفى أن الفنان الراحل عانى أزمة مرضية مزمنة، أو أنه أصيب بالفيروس، وأنه كان يحادثه حتى مساء الخميس السابق لرحيله، ليطمئن على حالته الصحية، لكن حالته تدهورت خلال الساعات اللاحقة، مما أدى إلى وفاته على نحو مفاجئ.

وفي تصريحات تلفزيونية، روت الفنانة إلهام شاهين أن عزت كان يشعر أن وفاته أصبحت قريبة، حين التقته في جنازة الكاتب والسيناريست الراحل وحيد حامد، وقال لها إن كل أصدقائه رحلوا، وردد أكثر من مرة عبارة: «الدور عليَّ»، وكانت جنازة صديقه الكاتب الراحل قبل شهر فقط من وفاته.

تحدّث الفنان الراحل، في لقاء تلفزيوني سابق، عن عدم خوفه من الموت، قائلًا: «لا أخاف الموت، أنا مؤمن بقضاء الله وقدره، ولم أخف من الموت أبدًا».

ترك العلايلي، الفنان والإنسان، إرثًا إبداعيًا متفردًا، ومواقف لا تُنسى، منها تضامنه مع زملائه من جيل الكبار الذين ضجّوا بالشكوى من عدم الاستعانة بهم في أعمال فنية، رغم تاريخهم الفني وقدرتهم على العطاء، وأن الساحة تتسع للكبار والشباب، كما حدث في الماضي مع عمالقة التمثيل حسين رياض ومحمود المليجي وعماد حمدي وغيرهم.

وقد تحمّل مسؤولية كل عمل شارك فيه، واعتبره جزءًا عزيزًا من نفسه، حتى الأعمال المتوسطة المستوى، التي اضطرته بعض الظروف الصعبة إلى قبولها، لكنّ الجمهور غفر له، لأنه في المقابل قدّم أعمالًا جيدة، تمثّل علامات فارقة في ذاكرة السينما والمسرح والدراما المصرية والعربية.

نجل الفنان الراحل يكشف حقيقة مذكرات والده

تمتّع العلايلي بمواهب متعددة، منها التأليف المسرحي وكتابة السيناريو، وقبل رحيله بأشهر قليلة، فكر في كتابة مذكراته حول تجربته الفنية الطويلة، وخبراته الحياتية، كنوع من التوثيق لمواقف وأحداث مهمة منذ طفولته حتى تقدّمه في العمر.

وروى نجله د. محمود، في مقابلة صحافية، أن والده كان شخصًا حكاءً من الدرجة الأولى، ولديه الكثير من الذكريات الفنية والسياسية والاجتماعية، واعتاد أن يحيكها بطريقة مشوّقة، مما جعله يفكر في كتابة مذكراته.

بدأت فكرة المذكرات في نهاية عام 2020، قبل رحيله بعام، وتزامنت مع تكريمه في مهرجان الإسكندرية السينمائي، وبالفعل شرع في الكتابة، والتقى صديقه الكاتب الصحافي محمود موسى، لتحضير المراحل الزمنية، وسرد أبرز التجارب التي مرّ بها على الجانبين الفني والإنساني.

وقال نجله إن القدر لم يمهل والده، ليبدأ مشاوراته حول المذكرات، ونقطة البداية وما الذي سيتم تداوله، ولكن لا توجد أوراق أو مسودات يمكن الجزم بأنها إشارة إلى مذكرات والده.

وفي ذكرى رحيله الأولى، كتب الابن محمود العلايلي على صفحته بموقع فيسبوك: «والدي كان صديقي دائمًا، وهو الذي علّمني أن أتعامل معه كصديق، وهو قام بتربيتنا تربية شرقية، وهو يدرك مسؤولياته وواجباته، ونحن أهم شيء في حياة والدي... نتفق في معظم الأمور الحياتية، وتستطيع أن تعتبر تربيتنا واحدة».

وأردف: «كان والدي دائمًا ما يدمج حكاياته عن مشواره الفني من بدايته منذ مرحلة الطفولة باستخدام السرير وملاءته كخشبة وستارة مسرح، مرورًا بالدراسة في المعهد العالي للفنون المسرحية وتأثره بدراسته وأساتذته، وصولًا إلى الاحتراف في المسرح والسينما والتلفزيون، بأحداث اجتماعية وسياسية موازية، وهو ما جعله متسقًا مع مجتمعه وحركته».

وانتهى نجل الفنان الرحل بقوله: «كان والدي يستيقظ ليلًا أكثر من مرة ويمرّ على غرفنا ليتأكد من إحكام أغطيتنا ويقوم بفردها وإحكامها برفق على مَنْ انحسر عنه الغطاء، وقد ظل مداومًا على عادته بالاهتمام بنا بكل حب وشغف، على الرغم من نضوجنا وتقدّم عمره، حتى أننا لم نفقد دفئه أبدًا إلى أن رحل».

سر صداقة زوجته بالسندريلا سعاد حسني

مع سعاد حسني في أحد الأفلام

ارتبط العلايلي بصداقة قوية بزملائه في الوسط الفني، منهم الفنانة سعاد حسني، وجمعتها علاقة صداقة بزوجته السيدة سناء وأسرته، وكانت السندريلا تعتبرها كاتمة أسرارها، واعتادوا الخروج معا لتناول الأكلات الشعبية، مثل الفول والطعمية.

وبعد رحيل السندريلا على نحو مأساوي عام 2001، رفض العلايلي فكرة انتحارها، وذكر أنها كانت شخصية متفائلة ومرحة، وتتعامل ببساطة شديدة، رغم نجوميتها، وتحاملت على نفسها كثيرًا، حين أصيبت بالمرض، وظلت تقدّم أعمالها الفنية، حتى اشتدت معاناتها، وسافرت للعلاج في الخارج.

وشارك عزت مع «السندريلا» في أعمال سينمائية عدة، منها «الاختيار» (1971) للمخرج يوسف شاهين، و«على مَن نطلق الرصاص؟» (1975)، إخراج كمال الشيخ، وفي عام 1981 «أهل القمّة» إخراج علي بدرخان، و«القادسية» للمخرج صلاح أبوسيف.

حسين فهمي يستعيد ذكرياته مع العلايلي في «البكوات»

التقى النجمان عزت العلايلي وحسين فهمي في العديد من الأفلام السينمائية، وجمعت بينهما زمالة وصداقة وثيقة، واستطاع صديقهما النجم محمود ياسين أن يجمعهما على خشبة المسرح في «أهلا يا بكوات»، واستمر عرضها لأكثر من عامين، وحققت نجاحًا جماهيريًا كبيرًا.

وبعد رحيل العلايلي، تملّك الحزن من فهمي، واستشعر فقدان زميل عزيز وممثل قدير، قدّم الكثير للفن السينمائي والمسرحي، وتداعت ذكرياته عن لقائهما في «أهلًا يا بكوات»، وكان محمود ياسين في تلك الفترة رئيسًا للمسرح القومي، وشكّلوا ثلاثيًا رائعًا.

وتنافس فهمي والعلايلي على المسرح، وقدّما أفضل ما عندهما، واستمرت علاقتهما بعد المسرحية. وبعد كل ليلة من ليالي «أهلا يا بكوات»، كان النجمان يجلسان لتقييم العرض، ويتناقشان حول كيفية المحافظة على الأداء والرّتم والالتزام بالنص، وأثناء التحضير لعرض «أهلًا يا بكوات» مجددًا في المسرح القومي، تم التأجيل أكثر من مرة بسبب جائحة كورونا، وكانت آخر مكالمة بينهما قبل وفاة العلايلي بأسبوع.

وذكر فهمي أن أبرز ما كان يميّز عزت أن قلبه كان قلب طفل، ينفعل ويغضب ثم يصفو بكلمة بسيطة، مثل فنانين كبار آخرين منهم فريد شوقي ورشدي أباظة ومحمود ياسين، كما كان خلوقًا وصادقًا في فنه وعلاقته بالآخرين.