عندما وجد الحاكم العسكري للسودان الفريق أول عبدالفتاح البرهان نفسه محاصراً في العاصمة الخرطوم الصيف الماضي، اتصل بحليفه غير المتوقع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي اقتنص الفرصة وأرسل قوات كوماندوز إلى السودان لنجدة البرهان، وفقاً لما نقلت «وول ستريت جورنال» عن عسكريين أوكرانيين وسودانيين.

وحققت هذه الخطوة هدفين لزيلينسكي، حسب «وول ستريت»، أولاً يرد جميل البرهان الذي زود كييف سراً بالأسلحة عندما شنت روسيا حربها على أوكرانيا في عام 2022، وثانياً لإرهاق موسكو ورفع تكلفة الحرب عليها.

Ad

وبمواجهة دعم مجموعة «فاغنر» الروسية العسكرية لـ «قوات الدعم السريع» في السودان، هبطت أول فرقة من القوات الأوكرانية، وقوامها 100 جندي، في السودان منتصف أغسطس الماضي، ونجحت في مهمتها الأولى وهي إخراج البرهان من الخرطوم، حسب تقرير الصحيفة الأميركية.

وأكد جنود أوكرانيون شاركوا في العملية لـ«وول ستريت» أن خط المواجهة في الحرب بين أوكرانيا وروسيا امتد الآن إلى إفريقيا، بعد وصول القتال في أوكرانيا إلى طريق مسدود تقريباً، لتتشكل معركة عالمية على الأسلحة والموارد الاقتصادية.

حرب في إفريقيا

وتعمل موسكو منذ سنوات على استخراج الذهب وتدريب المقاتلين في العديد من الدول الأفريقية، فيما يعد إرسال قوات إلى إفريقيا بالنسبة لأوكرانيا، مشروعاً جديداً وجريئاً، وهو جزء من استراتيجية لتعطيل العمليات العسكرية والاقتصادية الروسية في الخارج، وجعل الحرب أكثر تكلفة بالنسبة لموسكو.

وقال ضابط أوكراني يقود أحد الفرق الأوكرانية بالسودان إنه «من المستحيل التغلب على روسيا بمجرد قتال على قطعة صغيرة من الأرض، مثل خط المواجهة في أوكرانيا. إذا كان لديهم مناجم ذهب في السودان، فنحن بحاجة إلى جعلها غير مربحة».

ورفض رئيس المخابرات العسكرية الأوكرانية، الجنرال كيريلو بودانوف التعليق على هذه التقارير، لكنه قال «نحن في حرب شاملة مع روسيا. لديهم وحدات في عدة مناطق بالعالم، ونحاول أحياناً ضربهم هناك».

وبينما رفض المتحدث باسم زيلينسكي، من جانبه، التعليق على التدخل الأوكراني في السودان، تحدث جنود أوكرانيون لـ«وول ستريت» عن تجربتهم في السودان.

«الكينغ» يقود الكوماندوز

وقال «كينغ» (الملك)، وهو ضابط أوكراني قاد أول مجموعة أوكرانية في السودان، إن «القتال في السودان يجري بالليل، والأوكرانيون مجهزون بنظارات الرؤية الليلية وطائرات بدون طيار، كانت تلك ميزتنا الكبيرة»، مشيراً إلى أنهم يغادرون قاعدتهم حوالي الساعة الثامنة مساءً، ويتنقلون في مجموعات تضم ستة أشخاص ويشنون هجمات محددة.

وأضاف «الكينغ»: «حتى لو أردنا القيام بشيء ما خلال النهار، فنحن مجموعة من الأشخاص البيض سيدركنا الجميع»، مشدداً على أن السودان أصبح ساحة معركة في الحرب الروسية ـ الأوكرانية لأنه غني بمصدرين: الأسلحة والذهب.

وتولت وزارة الدفاع الروسية بصفة غير معلنة السيطرة على عمليات «فاغنر» في إفريقيا، بعد الوفاة الغامضة لزعيمها يفغيني بريغوجين العام الماضي، لكن هذه القوات تحاول الابتعاد عن القتال في السودان. وقال «كينغ» إن فريقه لم يواجه أي قوات من «فاغنر» خلال شهرين ونصف في السودان، على الرغم من أنهم تتبعوا إشارات الهاتف ذهاباً وإياباً بين الخرطوم وسانت بطرسبرغ.

سودانيون في «فاغنر»

وفي نوفمبر الماضي، عاد فريق «كينغ» إلى أوكرانيا، ليعوضه «برادا» مع قوات جديدة، أسرت أحد مقاتلي فاغنر الروس في أم درمان وقتلت اثنين آخرين، بالإضافة إلى قتل عشرات المقاتلين السودانيين الآخرين الذين يرتدون شارات «فاغنر».

وقال «برادا» «لقد أصبحت فاغنر بمنزلة امتياز في السودان. يقاتلون باستخدام السكان المحليين، يعطونهم رقعات، ويدفعون لهم رواتب، ويقولون لهم: الآن أنت فاغنر»، مؤكداً أن قواته «لم تكن تنوي أبداً مطاردة جنود فاغنر. الهدف هو تعطيل المصالح الروسية في السودان».

من جهتها، بدأت القوات الأوكرانية تدريب الجنود السودانيين على استخدام الطائرات بدون طيار، ولاسيما من الطراز التركي «بيرقدار تي بي 2» القادرة على تنفيذ ضربات جوية دقيقة، والتي وصلت في فبراير، وفقًا لمسؤول عسكري سوداني ومستشار لـ «الدعم السريع». وشدد الأوكرانيون على أهمية قطع إمدادات قوات الدعم السريع عن الخرطوم وسرعان ما بدأوا في التركيز على ضرب الطرق المؤدية إلى المدينة. وتظهر مقاطع الفيديو التي شاهدتها الصحيفة طائرات بدون طيار وهي تضرب بشكل متكرر شاحنات صغيرة مليئة بالمقاتلين أثناء عبورهم جسراً إلى الخرطوم.

وقال جندي أوكراني إنه عمل أيضًا مع القوات السودانية لزرع الألغام في طرق الإمداد المؤدية إلى الخرطوم. وعاد «برادا» وفريقه إلى أوكرانيا في وقت مبكر من هذا العام. ولم يتكبد أي من الفريقين الأوكرانيين أي خسائر.

ولايزال نفوذ أوكرانيا محسوساً في السودان. في الأسابيع الأخيرة، استعادت قوات البرهان السيطرة على أجزاء كبيرة من أم درمان، وهو أول تقدم كبير لها في الصراع. ويعزو الخبراء هذه المكاسب، في جزء كبير منها، إلى ضربات الطائرات بدون طيار الدقيقة، فضلاً عن نشر وحدات النخبة في الجيش السوداني. كما أرسلت كييف مؤخراً شحنة من دقيق القمح إلى بورتسودان، والتي وصلت الأسبوع الماضي.

في سياق متصل، نقلت شبكة «روسيا اليوم» الممولة من حكومة موسكو، عن سكان محليين في الصومال وصول وحدات من القوات المسلحة الأوكرانية التابعة للاستخبارات من السودان إلى الصومال، مضيفة أن «توسيع وجود القوات الأوكرانية في إفريقيا يأتي بناء على طلب الولايات المتحدة، التي تستخدمها كجيش خاص بها بالوكالة».

ونقلت الشبكة عن الدكتور أحمد عبدالله، الباحث في الشأن السوداني قوله لصحيفة «الوئام»، إن «الأزمة السودانية تعاني تعدد الأطراف الدولية التي تصفي حساباتها على حساب الشعب السوداني»، مؤكداً أن «وجود مقاتلين أوكرانيين خارج بلادهم، هو أحد الشروط الأساسية لاستمرار واشنطن بكل تأكيد في تقديم دعمها المالي والعسكري لحكومة كييف».